ولكي نشهد على الناس شهادة صحيحة لابد من تبليغهم الرسالة أولا على أحسن ما يكون التبليغ، ثم التعرف على موقفهم من هذه الرسالة، فإذ ما سَأَلَنا الله عز وجل يوم القيامة عن هذه الشهادة كان الجواب المفترض أن نجيب بمثله: إننا قمنا بتبليغ الرسالة إلى قوم (كذا) و (كذا) فاستجاب بعضهم ولم يستجب الآخر.
من هنا نقول بأن تربية الفرد لا تكتمل إلا إذا كانت له حركة وجهد يبذله في تبليغ رسالة ربه ودعوة خلقه إليه.
يؤكد الإمام حسن البنا على هذا المعنى فيقول: كلف الله المؤمنين بمهمة، وألقي على عاتقهم بواجب هو: هداية البشر إلى الحق، وإرشاد الناس جميعا إلى الخير، وإنارة العالم كله بشمس الإسلام، فذلك قوله تبارك وتعالى: +يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ - وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ" [الحج: 77، 78].
معني هذا أن القرآن الكريم يقيم المسلمين أوصياء على البشرية القاصرة، ويعطيهم حق الهيمنة والسيادة على الدنيا لخدمة هذه الوصايا النبيلة.
ويستطرد قائلا تحت عنوان: وصاية المسلم تضحية لا استفادة.
ثم بين الله تبارك وتعالى أن المؤمن في سبيل هذه الغاية قد باع لله نفسه وماله فليس له فيها شيء، وإنما هي وقف على نجاح هذه الدعوة وإيصالها إلى قلوب الناس، وذلك قوله تعالى: "إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ" [التوبة: 111].
ومن ذلك نرى أن المسلم يجعل دنياه وقفا على دعوته ليكسب آخرته جزاء تضحيته.
ومن هنا كان الفاتح المسلم أستاذًا يتصف بكل ما يجب أن يتحلى به الأستاذ من نور وهداية ورحمة ورأفة، وكان الفتح الإسلامي فتح تمدين وتحضُّر وإرشاد وتعليم (?).
ولئن كان بذل الجهد في سبيل الله مطلوبًا من المسلم في كل وقت؛ إلا أن الحاجة تشتد إليه في هذا العصر أكثر من أي وقت مضى، كيف لا والمسلمون قد أصبحوا تحت أقدام أعدائهم، وتراجع دورهم الحضاري، وأصبحوا عالة على الأمم الأخرى، بالإضافة إلى تغلغل المشروع الصهيوني في ديار الإسلام، واستعلاء الباطل، وارتفاع رايات المادية والعلمانية، مع ابتعاد المسلمين عن تطبيق تعاليم دينهم بصورة صحيحة ..
من هنا تبرز الحاجة لبذل غاية الجهد في اتجاه تغيير هذا الوضع، والمساهمة الفعالة في بناء المشروع الإسلامي الذي ينطلق من قوله تعالى: "إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ" [الرعد: 11].
التربية الحركية لابد وأن تشمل ضبط وتوجيه حركة المسلم في الحياة، وهدفها أن يكون له أثر طيب في كل مكان يحل فيها "وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَمَا كُنتُ" [مريم: 31]، وأن يساهم مساهمة بنَّاءه في إقامة المشروع الإسلامي الذي يهدف إلى استئناف الحياة الإسلامية الصحيحة، ويهدف كذلك إلى إنقاذ البشرية من الضياع، وإسعادها بالإسلام "وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ" [الأنفال: 39].