لما كانت تزكية النفس أمر غاية في الأهمية، كان لابد من تعاهد المرء لنفسه، وعدم الاطمئنان لها، أو الوثوق بها.
لابد من تزكية النفس، وتربيتها على العبودية لله عز وجل، والتي تصل بالمرء إلى اليقين بأنه بالله وبإمداداته لا بنفسه العاجزة الأمارة بالسوء، وأن يوقن كذلك بأن بينه وبين الكفر أن يتركه الله عز وجل: "وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا" [النور: 21]، ألم يكن من دعاء إبراهيم -عليه السلام-: "وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأصْنَامَ" [إبراهيم: 35].
ويوقن أيضا بأن أي طاعة يؤديها فالله -عز وجل- وحده هو الذي أعانه وحبب إليه القيام بها، وبعث فيه القوة اللازمة لأدائها، وأزاح عنه العوائق التي من شأنها أن تعطله عنها "وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي" [سبأ: 50].
التربية النفسية تهدف إلى: تحقيق نكران الذات، وممارسة التواضع بصورة تلقائية غير متكلفة، وتهدف كذلك إلى أن يكون المرء عند نفسه صغيرًا، وأن يرى الناس جميعا أفضل منه، كما يقول الإمام النووي: «لا تستصغر أحدًا فإن العاقبة منطوية، والعبد لا يدري بم يختم له. فإذا رأيت عاصيا فلا تَرَ نفسك عليه، فربما كان في علم الله أعلى منك مقاما، وأنت من الفاسقين، ويصير يشفع فيك يوم القيامة ... ».
* * *
المحور الرابع
بذل الجهد في سبيل الله
(التربية الحركية)
من طبيعية الإنسان أي إنسان الحركة وبذل الجهد في سبيل تلبية احتياجاته، وتحقيق أهدافه، فالحركة دليل الحياة.
هذه الحركة لابد لها من توجيه صحيح حتى تكون مثمرة، تؤدي إلى النجاح في تحقيق هدف وجود الإنسان على الأرض.
فالله -عز وجل- لم يخلقنا ويسكننا الأرض لكي نأكل أو نشرب أو نتزوج، بل خلقنا لأداء اختبار العبودية له -سبحانه- بالغيب.
نعم، علينا ونحن نؤدي هذا الاختبار أن نقوم بالمحافظة على أجسادنا والعمل على نموها الصحيح بالغذاء النافع حتى نستطيع أن نؤدي تكاليف الاختبار، ولابد من التزاوج حتى تظهر الأجيال الجديدة التي قدر الله وجودها .. وهكذا.
ولأن الله عز وجل يريد للناس جميعا الخير، والنجاح في اختبار العبودية، وعدم الانشغال بزينة الحياة الدنيا فقد أرسل إليهم رسائل متعددة كان آخرها رسالة القرآن والتي كلف أمة الإسلام بنشرها في العالمين "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ" [آل عمران: 110]، لذلك فإن من أهم واجبات المسلم نشر دعوة الإسلام لاستنقاذ كل من فيه خير وشوق إلى الهداية.
فمن أحب الأعمال إلى الله دعوة الخلق إليه "وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ" [فصلت: 108].
ومن أحب الأعمال إلى الله كذلك بذل الجهد في سبيله: "أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ" [التوبة: 19].
ليس المقصد من بذل الجهد في سبيل الله ترك الدنيا، والتفرغ للدعوة؛ فالإسلام لا يصادم الفطرة، بل يلبي احتياجاتها دون إفراط أو تفريط كما قال صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو: « .. فإن لجسدك عليك حقا، وإن لعينك عليك حقا، وإن لزورك عليك حقا، وإن لزوجك عليك حقا» (?).