هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن هذه الإمكانات لا يمكنها بذاتها أن تُحدث وتنشئ النتائج، فالله عز وجل هو الذي يبث فيها الفاعلية لحظة بلحظة، وآنًا بآنٍ "وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى" [القمر: 43].
"هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ" [يونس: 22].
فكيف تُعجب بشيء ليس ملكك؟ وكيف تفرح بشيء لا يمكنك استخدامه ولا تفعيله بدون مدد الله؟
إذا أردت أن تعجب وتفرح، فافرح بربك الذي وهبك هذه الإمكانات، ومكنك من استخدامها "فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ" [آل عمران: 170].
هذا بخصوص الإعجاب بالنفس وبإمكاناتها.
أما الإعجاب بالعمل فهو أن ينسب المرء أي نجاح يحققه لنفسه، وينسى أن الله عز وجل هو المتفضل عليه بالإعانة والتوفيق والإمداد.
قال المحاسبي: «العجب هو حمد النفس على ما عملت أو علمت، ونسيان أن النعم من الله عز وجل» (?).
(والعجب خاطر يهيج في داخلك يدعوك لاستعظام عملك واستكثاره، فتقول في نفسك: لقد قويت وصبرت واستطعت فعل كذا .. لقد جاهدت .. لقد فهمت كذا .. صمت في يوم شديد الحر .. لقد أنفقت كذا، فرحًا من نفسك بقوتها، معظمًا لها، مع نسيان نعمة الله عليك في القيام بذلك) (?).
الله عز وجل لا يقبل إلا ما كان خالصًا لوجهه، واستُعين به -سبحانه- على أدائه، أما المعجب فيستعين بنفسه أكثر مما يستعين بالله، لذلك قال ابن تيمية:
«المُعجب بنفسه لا يحقق إياك نستعين، كما أن المرائي لا يحقق إياك نعبد».
فالعُجب يحبط العمل الصالح الذي لازمه لأنه ينافي الإخلاص لله عز وجل.
كان المسيح عليه السلام يقول: «يا معشر الحواريين كم من سراج قد أطفأته الريح، وكم من عابد قد أفسده العجب» (?).
من هنا ندرك خطورة تحذيره صلى الله عليه وسلم: «لو لم تكونوا تذنبون، لخفت عليكم ما هو أكبر منه: العُجب، العُجب» (?).
ويطلق يحيى بن معاذ تحذيرًا شديدًا فيقول: إياكم والعجب، فإن العجب مهلكة لأهله، وإن العجب يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب .. فالذي يبيت نائمًا ويصبح نادما، خير ممن يبيت قائمًا ويصبح معجبًا.
وقال ابن الحاج في المدخل: من كان في نفسه شيء فهو عند الله لا شيء (?).
الرضا عن النفس والإعجاب بها مرض خطير يعرف طريقه جيدًا إلى النفوس إن لم يتم الانتباه إليه والتحصُّن ضده، والوقوف له بالمرصاد.
ولنعلم جميعًا أنه ليست العبرة في أداء المرء للعمل الصالح فقط، بل في إحسان هذا العمل، وألا تخالطه آفة تفسده، وأعظم آفة تفسد العمل هو إعجاب المرء به، واستعظامه له، والإدلال به، واستشعار صاحبه أن له منزلة خاصة عند الله، أو عند الناس بسبب قيامه بهذا العمل "وَلاَ تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ" [المدثر: 6].
لابد وأن يكون شعارنا ونحن نقوم بالعمل قول العبد الصالح: "وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ" [الأحقاف: 15].