فيقول له: لقد أقرضت ربي حائطي (بستاني) ..

هذا البستان كان به من النخل ما يقارب الستمائة نخلة.

وانطلق الرجل إلى البستان، وما إن وصل إليه حتى نادى على زوجته: يا أم الدحداح هيا بنا نخرج من البستان فقد أقرضته ربي.

فقالت المرأة الصالحة لزوجها: ربح البيع أبا الدحداح .. ربح البيع أبا الدحداح (?).

الحارس الأمين:

الإيمان الحي يقوي الوازع الداخلي ليكون بمثابة الحارس اليقظ الذي يراقب صاحبه فيدفعه إلى عمل الصالحات، ويبعده عن المعاصي والشبهات .. لا يدعه يشارك في غيبة أو نميمة .. يدفعه لتحري الصدق والتحلي به، وإلى الوفاء بالوعد، ورد الأمانة.

عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان لأبي بكر رضي الله عنه غلام يُخرج له الخراج، وكان أبو بكر يأكل من خراجه، فجاء يومًا بشيء، ووافق من أبي بكر جوعًا فأكل منه لقمة قبل أن يسأل عنه، فقال له الغلام: تدري ما هذا؟ فقال أبو بكر: وما هو؟ قال: كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية، وما أحسن الكهانة، ولكني خدعته، فلقيني فأعطاني بذلك، فهذا الذي أكلت منه، فأدخل أبو بكر إصبعه في فيه، فقاء كل شيء في بطنه (?).

الإيمان وحل المشكلات:

كلما قوى الإيمان في القلوب نقصت وقلت المشكلات بين الناس، لأن كل مشكلات الإنسان -كما يقول أبو الحسن الندوي- نبعت من عبادة النفس والشهوات، نبعت من الأنانية .. نبعت من النظر القاصر المحدود .. نبعت من حب الرئاسة .. والإيمان يستطيع أن يتغلب على كل هذا، ويصنع من الأمة أمة جديدة (?).

ويكفيك لتأكيد هذا المعنى أن تعلم أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه عندما تولى الخلافة قام بتعيين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قاضيًا على المدينة، فمكث عمر سنة لم يفتتح جلسة، ولم يختصم إليه اثنان، فطلب من أبي بكر إعفاءه من القضاء، فقال له أبو بكر: أَمِنْ مشقة القضاء تطلب الإعفاء يا عمر؟!

فقال: لا يا خليفة رسول الله، ولكن لا حاجة بي عند قوم مؤمنين، عرف كل منهم ما له من حق فلم يطلب أكثر منه، وما عليه من واجب فلم يقصر في أدائه .. أحب كل منهم لأخيه ما يحبه لنفسه .. إذا غاب أحدهم تفقدوه، وإذا مرض أحدهم عادوه، وإذا افتقر أعانوه، وإذا احتاج ساعدوه، وإذا أصيب واسوه .. دينهم النصيحة، وخلقهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ففيم يختصمون؟ ففيم يختصمون؟!

اليقظة الدائمة:

كلما قوي الإيمان وتمكن نوره من القلب ازدادت حالة اليقظة والانتباه لدينا .. هذه الحالة هي التي ستجعل معاملتنا مع الله لا مع غيره، فحين نُعطي الصدقة للفقير نستشعر أن الله هو الذي يأخذها "أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ" [التوبة: 104].

حالة الانتباه هي التي ستجعلنا نزن كل شيء بميزان الشرع، فيزداد الورع والخوف من الوقوع في دائرة الشبهات.

حالة الانتباه هي التي ستدفعنا دومًا للاستيقاظ قبل الفجر لمناجاة الله، وبث شكوانا إليه والتعبير عن حبنا وشوقنا له.

حالة الانتباه هي التي ستجعلنا دوما نحافظ على صلاة الفجر في المسجد، وهي التي ستبعدنا عن إهدار الأوقات فيما لا نفع فيه، وتصرفنا عن كثرة مشاهدة الفضائيات.

ستدفعنا هذه الحالة إلى القيام بواجبات الدعوة خير قيام، وستُصَغِّر من حجم الدنيا في أعيننا، وستقلل طمعنا فيما في أيدي الناس.

ومع احتمالية وقوعنا في زلات وغفلات نتيجة ضعفنا البشري، فإن هذه الحال ستدفعنا -بعون الله- للنهوض من الكبوة وسرعة التوبة وتجديد العهد مع الله "نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ" [ص: 30].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015