فسمع الفقير الجارية وهي تقول:

كل يوم تتلون ... غير هذا بك أجمل

فصاح الفقير وقال: أعيديه فهذا حالي مع الله تعالى.

قال: فنظر صاحب الجارية إلى الفقير فقال لها: اتركي العود وأقبلي عليه فإنه صوفي فأخذت تقول والفقير يقول: هذا حالي مع الله والجارية تردد إلى أن صاح الفقير صيحة وخر مغشيا عليه فحركناه فإذا هو ميت.

فلما سمع صاحب القصر بموته نزل فأدخله إلى القصر واغتممنا وقلنا: هذا يكفنه من غير وجهه فصعد الجندي وكسر كل ما كان بين يديه فقلنا: ما بعد هذا إلا خير.

ومضينا إلى "الأبلة" فبتنا وأعلمنا الناس فلما أصبحنا رجعنا إلى القصر وإذا الناس مقبلون من كل وجه إلى الجنازة كأنما نودي في البصرة حتى خرج القضاة والعدول وغيرهم.

وإذا الجندي يمشي خلف الجنازة حافيا حاسرا حتى دفن فلما هم الناس بالانصراف قال: الجندي للقاضي والشهود: اشهدوا أن كل جارية لي حرة لوجه الله تعالى وكل ضياعي وعقاري حبيس في سبيل الله ولي في صندوق أربعة آلاف دينار وهي في سبيل الله.

ثم نزع الثوب الذي كان عليه فرمى به وبقي في سراويله.

فقال القاضي: عندي مئزران من وجههما تقبلهما؟ فقال: شأنك فأخذهما فاتزر بواحد واتشح بالآخر وهام على وجهه.

فكان بكاء الناس عليه أكثر منه على الميت.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015