قُلْتُ: رَأَيْتُ فَارِسًا مُتَقَنِّعًا بِحَدِيدٍ خَرَجَ مِنِّي فَذَهَبَ فِي السَّمَاءِ حَتَّى مَا أَرَاهُ.
فَقَالا: صَدَقْتِ! ذَلِكَ إِيمَانُكِ خَرَجَ مِنْكِ اذْهَبِي.
فَقُلْتُ لِلْمَرْأَةِ: وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ شَيْئًا وَمَا قَالا لِي شَيْئًا.
فَقَالَتْ: بَلَى! لَنْ تُرِيدِي شَيْئًا إِلا كَانَ خُذِي هَذَا الْقَمْحَ فَابْذُرِي فَبَذَرْتُ فَقُلْتُ: أَطْلَعِي فَأَطْلَعَتْ فَقُلْتُ: الْحَقِي فَلَحِقَتْ ثُمَّ قُلْتُ: افْرُكِي فَفَرَكَتْ فَقُلْتُ: ايْبِسِي فَيَبَسَتْ ثُمَّ قُلْتُ اطْحَنِي فَطَحَنَتْ ثُمَّ قُلْتُ: اخْبِزِي فَخَبَزَتْ.
فَلَمَّا رَأَيْتُ أَنِّي لا أُرِيدُ شَيْئًا إِلا كَانَ سَقَطَ فِي يَدِي وَنَدَمْتُ وَاللَّهِ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ مَا فَعَلْتُ شَيْئًا قَطُّ وَلا أَفْعَلُهُ أَبَدًا فَسَأَلْتُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَاثَةَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمَ مُتَوَافِرُونَ فَمَا دَرَوْا مَا يَقُولُونَ لَهَا وَكُلُّهُمْ هَابَ وَخَافَ أَنْ يَفْتِيهَا بِمَا لا يَعْلَمُهُ إِلا أَنَّهُ قَدْ قَالَ لَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ - أَوْ بَعْضُ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ -: لَوْ كَانَ أَبَوَاكِ حَيَّيْنِ أَوْ أَحَدَهُمَا.
قَالَ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ: وَكَانَ هِشَامٌ يَقُولُ: إِنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ وَرَعٍ وَخَشْيَةٍ مِنَ اللَّهِ وَبُعَدَاءَ مِنَ التَّكَلُّفِ وَالْجَرْأَةِ عَلَى اللَّهِ-.
ثُمَّ يَقُولُ هِشَامٌ: وَلَوْ جَاءَتْنَا مِثْلُهَا لَوَجَدَتْ نَوْكَى أَهْلَ حُمْقٍ وَتَكَلُّفٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ.