فَذَهَبَتْ ثُمَّ رَجَعَتْ بِقَدَحِ خَمْرٍ تَحْمِلُهُ فَسَأَلاهَا نَفْسَهَا فَقَالَتْ: لا وَاللَّهِ! حَتَّى تَشْرَبَا هَذَا الْخَمْرَ فَشَرِبَا حَتَّى سَكِرَا فَوَقَعَا عَلَيْهَا وَقَتَلا الصَّبِيَّ فَلَمَّا أَفَاقَا قَالَتِ: الْمَرْأَةُ: وَاللَّهِ مَا تَرَكْتُمَا شَيْئًا مِمَّا أَبَيْتُمَاهُ إِلا فَعَلْتُمَاهُ حِينَ سَكِرْتُمَا فَخُيِّرَا بَيْنَ عَذَابِ الدُّنْيَا والآخرة فاختارا - عذاب الدنيا" [أحمد 2/134] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ الْمُبَارَكِ بْنِ سَعْدٍ أنا جَدِّي لأُمِّي أَبُو الْمَعَالِي ثَابِتُ بْنُ بُنْدَارٍ أنا أَبُو عَلِيِّ بْنُ دُومَا أنا أَبُو عَلِيٍّ الْبَاقَرْحِيُّ أنا الْحَسَنُ بْنُ عَلُّوَيْهِ أنا إِسْمَاعِيلُ أنا إِسْحَاقُ بْنُ بِشْرٍ عَنْ جُوَيْبِرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ مُعَاذٍ قَالَ:
لَمَّا أَنْ أَفَاقَا جَاءَهُمَا جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - مِنْ عِنْدِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَهُمَا يَبْكِيَانِ فَبَكَى مَعَهُمَا وَقَالَ: لَهُمَا: مَا هَذِهِ الْبَلِيَّةُ الَّتِي أَجْحَفَ بِكُمَا بَلاؤُهَا وَشَقَاؤُهَا؟.
فبكيا إليه فقال له: ما: إِنَّ رَبَّكُمَا يُخَيِّرُكُمَا بَيْنَ عَذَابِ الدُّنْيَا وَأَنْ تَكُونَا عِنْدَهُ فِي الآخِرَةِ فِي مَشِيئَتِهِ إِنْ شَاءَ عَذَّبَكُمَا وَإِنْ شَاءَ رَحِمَكُمَا.
وَإِنْ شِئْتُمَا عَذَابَ الآخِرَةِ.
فَعَلِمَا أَنَّ الدُّنْيَا مُنْقَطِعَةٌ وَأَنَّ الآخِرَةَ دَائِمَةٌ وأن الله بعباده رؤوف رَحِيمٌ. فَاخْتَارَا عَذَابَ الدُّنْيَا وَأَنْ يَكُونَا فِي الْمَشِيئَةِ عِنْدَ اللَّهِ.
قَالَ: فَهُمَا بِبَابِلِ فَارِسَ مُعَلَّقَيْنِ بَيْنَ جَبَلَيْنِ فِي غَارٍ تَحْتَ الأَرْضِ يُعَذَّبَانِ كُلَّ يَوْمٍ طَرَفَيِ النَّهَارِ إِلَى الصَّيْحَةِ وَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ الْمَلائِكَةُ خَفَقَتْ بِأَجْنِحَتِهَا فِي الْبَيْتِ ثُمَّ قَالُوا: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِوَلَدِ آدَمَ عَجَبًا كَيْفَ يَعْبُدُونَ اللَّهَ وَيُطِيعُونَهُ عَلَى مَا لَهُمْ مِنَ الشَّهَوَاتِ وَاللَّذَّاتِ!.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: فَاسْتَغْفَرَتِ الْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ لِوَلَدِ آدَمَ فَذَلِكَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ} الشورى: 5] .
روي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - قَالَ لِلْمَلائِكَةِ: انْتَخِبُوا ثَلاثَةً مِنْ أَفَاضِلِكُمْ فَانْتَخَبُوا عزرا وعزرايل وعزويا. فَكَانُوا إِذَا هَبَطُوا إِلَى الأَرْضِ كَانُوا فِي حَدِّ بَنِي آدَمَ وَطَبَائِعِهِمْ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عزرا وَعَرَفَ الْفِتْنَةَ عَلِمَ أَنْ لا طَاقَةَ لَهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - وَاسْتَقَالَهُ فَأَقَالَهُ.
فَرُوِيَ أَنَّهُ لَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ بَعْدُ حَيَاءً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى.
قال الربيع بن أنس: لما ذهب عن هاروت وماروت السكر عرفا ما وقعا فيه