أَنْبَأَنَا الشَّيْخُ أَبُو الْفَرَجِ أَنَا مُحَمَّدُ بن عبد الله بن حبيب أنا علي بن عبد الله بْنِ أَبِي صَادِقٍ ثنا أَبُو عبد الله محمد بن عبد اللَّهِ بْنِ بَاكُوَيْهِ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ عَلُّوَيْهِ قَالَ: سَمِعْتُ يُوسُفَ بْنَ الْحُسَيْنِ يَقُولُ:
لَمَّا اسْتَأْنَسْتُ بِذِي النُّونِ الْمِصْرِيِّ قُلْتُ: أَيُّهَا الشَّيْخُ! مَا كَانَ بَدْءُ شَأْنِكَ؟.
قَالَ: كُنْتُ شَابًّا صَاحِبَ لَهْوٍ وَلَعِبٍ ثُمَّ تُبْتُ وَتَرَكْتُ ذَلِكَ وَخَرَجْتُ حَاجًّا إِلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ وَمَعِي بُضَيْعَةٌ فَرَكِبْتُ فِي الْمَرْكَبِ مَعَ تُجَّارٍ مِنْ مِصْرَ وَرَكِبَ مَعَنَا شَابٌّ صَبِيحٌ كَأَنَّ وَجْهَهُ يُشْرِقُ فَلَمَّا تَوَسَّطَنَا فَقَدَ صَاحِبُ الْمَرْكَبِ كِيسًا فِيهِ مَالٌ فَأَمَرَ بِحَبْسِ الْمَرْكَبِ فَفَتَّشَ مَنْ فِيهِ وَأَتْعَبَهُمْ فَلَمَّا وَصَلُوا إِلَى الشَّابِّ لِيُفَتِّشُوهُ وَثَبَ وَثْبَةً مِنَ الْمَرْكَبِ حَتَّى جَلَسَ عَلَى أَمْوَاجِ الْبَحْرِ وَقَامَ لَهُ الْمَوْجُ عَلَى مِثَالِ سَرِيرٍ وَنَحْنُ نَنْظُرُ إِلَيْهِ مِنَ الْمَرْكَبِ وَقَالَ: يَا مَوْلايَ! إِنَّ هَؤُلاءِ اتَّهَمُونِي وَإِنِّي أُقْسِمُ يَا حَبِيبَ قَلْبِي أَنْ تَأْمُرَ كُلَّ دَابَّةٍ فِي هَذَا الْمَكَانِ أَنْ تُخْرِجَ رَأْسَهَا وَفِي أَفْوَاهِهَا جَوْهَرٌ.
قَالَ ذُو النُّونِ: فَمَا تَمَّ كَلامُهُ حَتَّى رَأَيْنَا دَوَابَّ الْبَحْرِ أَمَامَ الْمَرْكَبِ قَدْ أخرجت رؤوسها وَفِي فَمِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا جَوْهَرَةٌ تَتَلأْلأُ وَتَلْمَعُ.
ثُمَّ وَثَبَ الشَّابُّ مِنَ الْمَوْجِ إِلَى الْبَحْرِ وَجَعَلَ يَتَبَخْتَرُ عَلَى مَتْنِ الْمَاءِ وَيَقُولُ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 4] حَتَّى غَابَ عَنْ بَصَرِي.
فَهَذَا الَّذِي حَمَلَنِي عَلَى السِّيَاحَةِ وَذَكَرْتُ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يَزَالُ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ ثَلاثُونَ قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ كُلَّمَا مَاتَ وَاحِدٌ أَبْدَلَ اللَّهُ مَكَانَهُ واحداً". أحمد 5/322] .