فَأَرْسَلَ إِلَى أُمِّ وَلَدِ سَعْدٍ أَوِ امْرَأَةِ سَعْدٍ: إِنَّ أَبَا مِحْجَنٍ يَقُولُ لَكِ: إِنْ خَلَّيْتِ سَبِيلَهُ وَحَمَلْتِهُ عَلَى هَذَا الْفَرَسِ وَدَفَعْتِ إِلَيْهِ سِلاحًا لَيَكُونَنَّ أَوَّلَ مَنْ يَرْجِعُ إِلَيْكَ إِلا أَنْ يُقْتَلَ وَأَنْشَأَ يَقُولُ:
كَفَى حَزَنًا أَنْ تَلْتَقِي الْخَيْلُ بِالْقَنَا ... وَأُتْرَكُ مشدودا علي وثاقيا
إذا قمت عَنَّانِي الْحَدِيدُ وَغُلِّقَتْ ... مَصَارِيعُ مِنْ دُونِي تُصِمُّ الْمُنَادِيَا
فَحَلَّتْ عَنْهُ قُيُودَهُ وَحُمِلَ عَلَى فَرَسٍ كَانَ فِي الدَّارِ وَأُعْطِيَ سِلاحًا.
ثُمَّ خَرَجَ يَرْكُضُ حَتَّى لَحِقَ بِالْقَوِم فَجَعَلَ لا يَزَالُ يَحْمِلُ عَلَى رَجُلٍ فَيَقْتُلُهُ وَيَدُقُّ صُلْبَهُ فَنَظَرَ إِلَيْهِ سَعْدٌ فَجَعَلَ يَتَعَجَّبُ وَيَقُولُ: مَنْ ذَاكَ الْفَارِسُ؟.
قَالَ: فَلَمْ يَلْبَثُوا إِلا يَسِيرًا حَتَّى هَزَمَهُمُ اللَّهُ وَرَجَعَ أَبُو مِحْجَنٍ وَرَدَّ السِّلاحَ وَجَعَلَ رِجْلَيْهِ فِي الْقُيُودِ كَمَا كَانَ. فَجَاءَ سَعْدٌ فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: كَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ؟ فَجَعَلَ يُخْبِرُهَا وَيَقُولُ: لَقِينَا وَلَقِينَا حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ رَجُلا عَلَى فَرَسٍ أَبْلَقَ لَوْلا أَنِّي تَرَكْتُ أَبَا مِحْجَنٍ فِي الْقُيُودِ لَقُلْتُ: إِنَّهَا بَعْضُ شَمَائِل أَبِي مِحْجَنٍ.
فَقَالَتْ: وَاللَّهِ إِنَّهُ لأَبُو مِحْجَنٍ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ كَذَا وَكَذَا فَقَصَّتْ عَلَيْهِ قِصَّتَهُ.
فَدَعَا بِهِ فَحَلَّ قُيُودَهُ وَقَالَ: لا نَجْلِدُكَ عَلَى الْخَمْرِ أَبَدًا قَالَ أَبُو مِحْجَنٍ: وَأَنَا وَاللَّهِ لا أَشْرَبُهَا أَبَدًا كُنْتَ آنَفُ أَنْ أَدَعَهَا مِنْ أَجْلِ جَلْدِكُمْ.
قَالَ: فَلَمْ يَشْرَبْهَا بَعْدَ ذَلِكَ.
وَقِيلَ: قَالَ أَبُو مِحْجَنٍ: قَدْ كُنْتُ أَشْرَبُهَا إِذْ يُقَامُ عَلَيَّ الْحَدُّ وَأَطْهُرُ مِنْهَا فَأَمَّا إِذْ بَهْرَجَتْنِي فَوَاللَّهِ لا أَشْرَبُهَا أَبَدًا. وكان أبو محجن أسلم حين أسلمت ثقيف وسمع من النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه واسمه مالك وقيل: عبد الله بن حبيب وقيل: اسمه كنيته.