أما العقوبات: فإن كانت من حدود الله- تعالى- كحد الزنا، والشرب، وقطع السرقة، وحد قاطع الطريق- هل تثبت بالشهادة على الشهادة؟ فيه قولان:

أحدهما: تثبت؛ لأن ما يثبت بالشهادة يثبت بالشهادة على الشهادة؛ كالأموال.

والثاني- وهو الأصح، وبه قال أبو حنيفة-: لا يثبت؛ لأن الشهادة على الشهادة لتأكيد الوثيقة؛ ليتوصل بها إلى إثبات الحق، والعقوبات يحتاط لدرئها، وإسقاطها.

وإن كانت من حقوق العباد؛ كالقصاص وحد القذف- فالمذهب: أنه يثبت بالشهادة على الشهادة؛ لأن مبنى حقوق العباد على الضيق والشدة.

وخرج [ابن الحداد] قولاً من حدود الله- تعالى- أنه لا يثبت؛ لأنه مما يندرئ بالشبهة، وما يثبت بالشهادة على الشهادة يثبت بكتاب القاضي إلى القاضي، وما لا يثبت بالشهادة على الشهادة لا يثبت بكتاب القاضي، لأن الكتاب لا يثبت إلا بتحمل الشهادة من جهة القاضي؛ كما يتحمل شاهد الفرع من شاهد الأصل، وإنما تقبل شهادة شهود الفرع عند تعذر الوصول إلى شهود الأصل بموت، أو مرض، أو غيبة إلى مسافة القصر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015