والحنفي إذا شرب القليل من النبيذ، لا يفسق، ولا ترد شهادته، لأنه يعتقد إباحته، إلا أن يسكر فترد شهادته؛ لأن السكر حرام بالاتفاق، ولكنه يحد بشرب قليله. وإذا شربه من يعتقد تحريمه: اختلفوا فيه؛ فمنهم من قال: ترد شهادته؛ لأنه ارتكب محظور عقيدته.
ومن أصحابنا من قال: لا ترد شهادته؛ وهو ظاهر كلام الشافعي رضي الله عنه فإنه لم يفصل بين من يعتقد تحريمه وإباحته؛ في أن شهادته لا تر؛ هذا لأن استحلال الشيء أعظم من فعله، بدليل أن من استحل الزنايكفر، وبفعله لا يكفر؛ فإذا لم ترد شهادة مستحل القليل من النبيذ، فلأن لا ترد شهادة من شربه أولى.
وقال المزني- رحمه الله-: وجب أن ترد شهادة من شربه؛ كما يحد، وإن لم ترد شهادته وجب ألا يحد.
قلنا: إقامة الحد إلى الإمام؛ فيجري فيه على اعتقاده.
ورد الشهادة بارتكاب محظور العقيدة، ولم يوجد، بخلاف الكافر ترد شهادته، وإن لم يرتكب محظور عقيدته؛ لأن بطلان عقيدته مقطوع به، وهذا مجتهد فيه. وهذا؛ لأن الحد للزجر عما يميل الطبع إليه، والحاجة إلى الزجر عن النبيذ كالحاجة إليه في الخمر.
ورد الشهادة لارتكاب محرم يجرئه على فعل مثله، ولم يوجد في شرب النبيذ؛ لأنه لم يرتكب محرماً؛ فيظن أنه يجرئه على شهادة الزور.
أما من شرب الخمر قصادً وإن كان قطرة- ترد شهادته، ويحد.
ولا تقبل شهادة المغفل الذي لا يحفظ شيئاً، وكذلك شهادة من يكثر [منه] الغلط؛ لأنه لا يؤمن أن يغلط فيما يشهد.
وتقبل شهادة من يقل منه الغلط؛ لأن أحداً لا ينفك عنه، وإن شهد من يكثر منه الغلط مفسراً؛ بأن بين الوقت والمكان الذي يحمل فيه الشهادة؛ بحيث زالت فيه الريبة عن شهادته- تقبل.
وتقبل شهادة ولد الزنا.
[وقال مالك: لا تقبل]، وكذلك يجوز أن يكون [ولد الزنا] قاضياً ولا يكون إماماً؛ لأن النسب في الإمامة شرط.