فصل في حقيقة المفارقة

إذا كان له على رجل حق، فقال: والله، [لا أفارقك] حتى استوفي حقي منك، ففارقه قبل الاستيفاء- حنث أيهما وقف؟ وفر الآخر؛ لأن الحالف إن فر- فقد فارقه، وإن فر الغريم، والحالف يمكنه أن يمشي- معه، فلم يفعل- فهو بالوقوف مفارقه وحد الفراق: ما ذكرنا في تفريق المتبايعين، ولو فر منه/ الغريم، ولم يمكنه متابعته- لم يحنث، وقال ابن أبي هريرة: فيه قولان، كالمكره؛ فليس بصحيح؛ لأنه حلف على فعل نفسه، ولم يوجد منه فعل: لا مختاراً ولا مكرهاً، وكل من علق اليمين على فعله، فيعتبر الاختيار والإكراه في فعله، فإن أكره الحالف حتى فارقه [أو فارقه] ناسياً، فيكون على قولين، قال شيخنا إمام الأئمة- رحمه الله-: فلو فر الغريم وأمكنهم متابعته، فلم يفعل- حنث؛ لأنه بالمقام مفارقه، ولو قال: لا تفارقني حتى أستوفي حقي منك، ففارق من عليه الحق، أو فر [حنث] الحالف؛ لأنه حلف على فعل الغريم، وهو كان مختاراً في المفارقة، ولو فارق الغريم مكرهاً أو ناسياً لليمين- فعلى قولين، وقيل: يحنث الحالف قولاً واحداً؛ لأن الاختيار والقصد يعتبر في فعل الحالف، لا في فعل غيره، والمذهب الأول: أنه يعتبر في فعل من حلف على فعله، ولو فر صاحب الحق- لم يحنث؛ لأنه لم يحلف على فعل نفسه، قال الشيخ- رحمه الله- فإن أمكن للغريم متابعته فلم يتابعه- وجب أن يحنث، ويجعل وقوفه [مع إمكان المتابعة] كفعل المفارقة فأما إذا قال: لا أفترق أنا وأنت، أو: لا أنا ,لا أنت، حتى أستوفي حقي منك- فقد علق اليمين على مفارقة كل واحد منهما، فأيهما فارق صاحبه مختاراً- حنث الحالف، وأيهما أكره على المفارقة [لم يمكن] للآخر متابعته، فيكون على قولين، وإذا أقر أحدهما- حنث الحالف؛ لأن اليمين معلقة على فعل كل واحد، والفار مختار في المفارقة، ولو قال في يمينه: والله، لا نفترق، أو: لا افترقنا حتى أستوفي حقي منك-: قال بعض أصحابنا: تعلق اليمين- ههنا- بافتراقهما معاً، فإن فارق أحدهما صاحبه، وأقام الآخر- لم يحنث، وهو ضعيف، بل هو كقوله: لا أفترق أنا وأنت، فأيهما فارق صاحبه- حنث الحالف، ولو قال: لا أفارقك حتى أستوفي حقي منك، فأبرأ الغريم، ثم فارقه- حنث؛ لأنه لم يستوفه، ولو أفلس الغريم، ففارقه الحالف

طور بواسطة نورين ميديا © 2015