والثاني: يكون من ضمان الفقراء؛ لأن النفع فيه لهم، والضمان على من تكون له المنفعة كضمان العارية يكون على المستعير؛ لأن المنفعة له ولو أخذ الإمام المال من رب المال على جهة الزكاة المعجلة؛ حتى يحسبه عن الزكاة عند حلول الحول -فهو على التفصيل الذي ذكرنا في الاستقراض؛ فإن أخذ بغير مسألة المساكين؛ لخلة أو حاجة بهم، ثم هلك في يده قبل الحول - ضمنه من مال نفسه لرب المال، وعلى رب المال إخراج الزكاة ثانياً، وإن أوصله إلى المساكين حبسه عن الزكاة، إن كانوا بصفة الاستحقاق يوم حلول الحول، وإن خرجوا عن الاستحقاق؛ إما الدافع أو المدفوع إليه، استرده من المدفوع إليه، وإن لم يوجد له مال ضمنه الإمام من مال نفسه؛ لأنه أخذه على أن يحتسب له من الزكاة؛ فإذا لم يحتسب، ضمنه. وإن استعجله بمسألة الفقراء؛ فإن دفع إليهم وحال الحول - وهو بصفة الاستحقاق - وقع موقعه، وإن كانوا خرجوا عن الاستحقاق، يجب عليهم الضمان، وعلى رب المال إخراج الزكاة وإن تلف في يد الإمام قبل الحول، ضمنه من مال المساكين. فإن لم يكن للمساكين مال، ففيه وجهان.
أحدهما: على رب المال إخراج الزكاة؛ لأن ما دفع لم يقع عن الصدقة.
والثاني: تسقط عنه الزكاة؛ لأن الإمام نائب المساكين، وقد أخذ منه، ولا ضمان على الإمام؛ لأنه أخذ بمسألة المساكين؛ فينر على هذا الوجه حتى يحول الحول على أموال أرباب المال؛ فيأخذ من أرباب الأموال لهم، ويصرفها إلى قوم آخرين عن جهة رب المال. وإن تعجل الإمام بمسألة رب المال، فإن أوصلها إلى المساكين؛ فحال الحول - وهم بصفة الاستحقاق - وقع موقعه. وإن خرجوا عن الاستحقاق، رجع رب المال على المساكين دون الإمام. وإن هلك في يد الوالي من غير تفريط من جهته، فلا ضمان عليه، ولا على المساكين، ويجب على رب المال إخراج الزكاة ثانياً، إن تعجل بمسألة المساكين ورب المال، فمن ضمان من يكون؟ فيه وجهان.
وإن هلك المعجل في يد الإمام بعد حلول الحول، تسقط الزكاة عن رب المال؛ سواء استعجله الإمام، أو عجله رب المال؛ لأن الحصول في يد الإمام أو الساعي بعد الحول - كالوصول إلى المساكين؛ كما لو أخذه بعد الحول، ثم الإمام إن فرط في الدفع إليهم ضمن من مال نفسه، وإلا فلا ضمان على أحد.
"باب النية في إخراج الصدقة"
رُوي عن عمر بن الخطاب؛ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - قال: "إنما الأعمال بالنيات".