سليمًا) سالمًا عن كل ما لا يرضاه الله من اعتقاد النفاق والكفر والحسد والحقد وحب غير الله وهو الذي أراده الخليل بقوله: {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 89] (ولسانه صادقًا) لا ينطق إلا به (وخليقته مستقيمة) في القاموس (?): الخليقة الطبيعة أي جعل طبيعته منقادة للحق منفعلة للخير مجتنبة للشر منجذبة لكل ما يحبه الله ورسوله (وجعل أذنه سميعة) سامعة لكل نافع من الأقوال وليست كالصمغ الذي يأتي ويل لإجماع القول بل هو يورد ما تلقته إلى قلبه يتأمله ويتفكر فيه (وعينه بصيرة) منتفعة بما تنظره مطلقة للنظر في ملكوت السماوات والأرض للاعتبار لا نظر الغافل.
واعلم أن هذه الحواس المذكورة هي عمدة الإنسان وهي جواسيس القلب التي تجلب له الخير أو الشر ويستمد منها ولهذا يذكرها الله تعالى مقترنًا بعضها ببعض: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ} [النحل: 78]، {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء] {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} [البقرة: 7] والحديث قد اشتمل على ما اشتملت عليه الآيات وزاد مقدمة هي جعل اليقين والتصديق بساطًا لقبول ما يرد عليه ويسلك فيه أما من علوم الأنبياء والرسل وهي التي طريقها السمع وأما علوم الملكوت التي بثها الله على صفحات الأكوان أدلة عليه وعلى قدرته وحكمته وعلى صفاته وهي التي طريقها البصر، وهذه مواد الإيمان ووسيلة الفوز بالسعادة الأبدية، والقلب لا يكون واعيًا حتى يكون مصدقًا ولا يجعل سليمًا إلا إذا وعى، واللسان هى مغرفة القلب فيظهر شره وخيره منها فإذا كان سليمًا كانت صادقة، والخليقة هي خلاصة ما في القلب وفيض ما اشتمل عليه فإذا استقام استقامت فليتأمل