في مقام الخطبة وهي تقتضي عدم الألغاز والمبالغة في الإيضاح بخلاف هنا، فالمراد اختصار اللفظ ليحفظ كذا قيل، وقال البيضاوي: ثَنّى الضمير هنا إيماء إلى أن المعتبر هو المجموع من المحبتين لا كل واحدة فإنها وحدها لاغية وأمر بالإفراد في حديث الخطيب إشعار بأن كل واحد من العصيانين [2/ 337] مستقل باستلزام الغواية.
قلت: وكنت أجيب عن سؤال في هذا أنه نهى - صلى الله عليه وسلم - عن التثنية في كلام غيره لإيهامه عدم تعظيم الله تعالى لا في كلامه - صلى الله عليه وسلم - فإنها وردت لأنه لا إيهام فيها لذلك، وتقدم الكلام على معنى المحبة والحامل عليها في حقه تعالى من إحسانه إليهم وإفضاله بكل نعيم، وأنه يحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحب الله ولأنه الذي أنقذ العباد من الشرور وغير ذلك، قال البيضاوي (?): والمراد بالحب العقلي الذي هو إيثار ما يقتضي العقل فالمرء لا يؤمن إلا إذا تيقن أن الشارع لا يأمر ولا ينهى إلا بما فيه صلاح عاجل أو خلاص آجل والعقل يقتضي ترجيح جانبه وكماله بأن يأسر هواه بحيث تصير تبعاً لعقله ويلتذ به التذاذا عقلياً إذا للذة إدراك ما هو كمال وخير من حيث هو كذلك وليس بين هذه اللذة واللذة الحسية نسبة يعقد بها. (وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله) أي لأن الله أمر بحبه فيحب أبويه لأن الله أمر بمحبتهما ويحب ولده لذلك ونحو ذلك وبالجملة أن يحب العبد لا لغوض من الأغراض إلا لأجل الله تعالى. (وأن يكره أن يعود في الكفر) الكراهة أمر طبيعي يوجبها ما يعلمه من الشر الذي يكرهه، وإذا علم أن الكفر جالب لكل بلاءً في الدنيا والآخرة كرهه (والعود) مستعمل في معنى الضرورة وهو يستعمل فيها كثيرًا إلا أن قوله: (بعد أن أنقذه الله منه) يشعر أن