أبوحنيفة على أبي جعفر المنصور بناء على ما أخفاه في قلبه من تقييده بيعته بمجلسه إلى أن

يقوم لبول أو غائط، وظفر به المنصور بعد خروجه عليه وصلبه- منفذاً فيه حكم

الخوارج- لما كان ملاماً عند الله تعالى، لأنه عاقب خارجاً ناكثاً ببيعته أعطاها مع

القسم، واشهاد الله تعالى على أبديتها بكلام فهم منه المنصور ذلك، وفهم منه

الحاضرون ذلك؛ ولو استشهد المنصور الحاضرين لشهدوا أنه بايعه بيعة أبدية ولا

ينفع أبا حنيفة- لا عند الله ولا عند الناس- أنه قصد بقوله: (حتى تقوم الساعة) قيام

المنصور لبول أو غائط من مجلسه ذلك لأنه قَصْد خفي مستز لا تدل عليه العبارة ولا

شواهد الحال ولا قرينة صارفة عن الظاهر المتبادر الذي فهمه المنصور والحاضرون معه

في المجلس، والذي يفهمه كل ذي فهم مستقيم لم ينحرف عن الجادة بهذه الحيل.

وحديث: (في المعاريض غنية للبيب عن الكذب) (?) لا يدخل في نطاقه العهو د

والمواثيق والأيمان والعقود والخصومات، لأنه في باب الأخبار إبعاداً للكذب عنها

بالمعاريض، لا في باب الانشاء للعقود والعهو د، وإلا فقل في فساد العقود والمعاملات

ما شيءت إذا اعتبرنا هذه الحيلة السخيفة وذلك التلاعب الصبياني وذلك التحريف

المكشوف. (?)

وإذا سألنا أصحاب العقول الجبارة عن متعاقديْن على إيجار بستان أو مزرعة عشر

سنين مثلا، وبعد ذلك اختلفوا، فقال المؤجر: أردت بعشر سنين أي جدبة قاحلة،

ولكنا الآن في أعوام خصبة هاطلة. وقال المستأجر: بل عقدت معك على عشر سنين

ظرفاً للإيجار تقدر بالأيام والأسابيع والشهو ر، ولم نرد منها صفتها من خصب أو

جدب، فهل تحكمون للمؤجر الملتوي بنية لا دليل عليها، أم للمستأجر المتمسك

بدلالة الكلام وعرفه وظاهره وما يفهمه الناس في أمثال هذه العقود؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015