نقول لرقبة: لعلك لم تذق لذة الرأي الحسن، والعقلية الجبارة، التي عند قدوة الأئمة، ومقتدى الأمة، فسميت ما سمعوا من رأيه مضغاً كمضغ العلك. وإنما الغريب رجوعهم عنه بغير ثقة، فهل كنت يا رقبة حاسداً للإمام الأعظم؟ أم كنت ناصحاً، والعجب أن يسكت هؤلاء الراجعون عن أبي حنيفة على كلام رقبة في أبي حنيفة، وما مضغوه من رأيه ورجوعهم منه بغير ثقة، فلم يعارضوا رقبة ولم يسكتوه، ولم يؤلفوا فيه كتأنيب الكوثري، ولكن ما سكت عنه هؤلاء الراجعون من مجلس أبي حنيفة، لا يمكن أن يسكت عنه مجنون أبي حنيفة، بل سترى الطرائف والظرائف منه في رقبة ومن دونه من رجال السند، حتى أحمد بن زهير، اللهم سلمه من لسانه وقلمه، واحفظ عرضه طاهراً من ولوغ الوالغين.
قال ابن عبد البر ص 148. بسنده الى ابن عيينة، قال: مر رجل بمسعر بن كدام فقال: أين تريد؟ قال: أريد أبا حنيفة. قال: يكفيك من رأيه ما مضغت، وترجع إلى أهلك بغير ثقة.
والمناقشة مع مسعر بن كدام كالمناقشة مع رقبة، أنه لم يذق طعم الرأي الحسن، ولم يعرف تلك العقلية الجبارة، فسمى سماعها مضغاً، ولكن العجب أن يكون الإمام الأعظم وقدوة الأئمة، ومقتدى الأمة، عنده غير ثقة، سنرى ونسمع ما لم نر ولم نسمع، فلنتمهل حتى نرى تأنيباً جديداً، أو طبعة أخرى لتأنيب الأول يضم فيها ابن عبد البر خصما آخر لأصحاب العقول الجبارة، فضلا عن مسعر بن كدام، ورقبة، والثوري، وابن عيينة.
قال ابن عبد البر ص 150: وذكر الساجي عن بندار ومحمد بن المقرى عن معاذ ابن معاذ العنبري عن سفيان الثوري قال: استتيب أبو حنيفة مرتين. اهـ
ولعل الثوري ذلك الإمام الزاهد الورع التقي المحدث كان حاسداً للامام الأعظم ذي العقلية الجبارة، والرأى الحسن قدوة الأئمة ومقتدى الأمة الذيلم ينتفع بأصحاب أحد ما انتفع الناس بأصحابه (?) ، فنتركهم إلى قنطرة القصاص قبل دخول