اللّفظ على المعنى، ومن جهة معانيه الّتي أخبر بها عن الله تعالى وأسمائه وصفاته وملائكته، وغير ذلك. ومن جهة معانيه، الّتي أخبر بها عن الغيب الماضي، وعن الغيب المستقبل، ومن جهة ما أخبر به عن المعاد، ومن جهة ما بيّن فيه من الدّلائل اليقينيّة، والأقيسة العقليّة الّتي هي الأمثال المضروبة» (?).

وقد بلّغ النبي - صلى الله عليه وسلم - الكفارَ آياتِ التحدي بأن يأتوا بمثله، ثم بعشر سورٍ منه، ثُمَّ بسورة واحدة، وفي كلِّ مرةٍ يعجزون، مع شدةِ عداوتهم له، وحرصِهم على دفع دعواه ووأدها والحيلولة دون انتشارها، وهم «العرب الفصحاء والخطباء والبلغاء، فكلٌّ عجز عنه، ولم يقدر على شيء منه بوجه» (?).

فبعد هذا؛ إنْ أتى أحد بعد أولئك القوم يريد الطعن في بلاغة القرآن الكريم وفصاحته

وسلامة تراكيبه النحوية فإنّه لا اعتبار لقوله، ولا التفات إليه؛ إذ لو كان ذلك ممكناً لسبق إليه الكفار على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -.

بل كان منهم العكس من ذلك، فقد بهرهم بيانُه، وأخذت بألبابهم فصاحتُه، وسحرتهم بلاغتُه.

فهذا عتبة بن ربيعة (?) لما قرأ عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - صدر سورة فُصِّلت؛ أنصت لها، وألقى بيده خلف ظهره معتمداً عليها يسمع منه، حتى إذا بلغ قوله تعالى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} (?)، أمسك بفيه مناشداً له بالرَّحم أن يكف، لعلمه صدق النبي - صلى الله عليه وسلم -. ثم لما رجع إلى الكفّار قال لهم: "والله ما هو بالشعر ولا السحر ولا الكهانة، يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي، خلوا بين هذا الرجل وما هو فيه، فوالله ليكونن لقوله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015