مسروق هذا على الإمام البخاري أقوى مما اعترض به عليه ابن حزم في إخراجه حديث شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن أنس في قصة المعراج، أنه جاؤا ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه، وذكر القصة 1.
قال ابن حزم: "لا خلاف في أن الإسراء كان بعد النبوة بمدة 2 وأوّل بعضهم قوله: "قبل أن يوحى إليه"، أي في شأن الصلوات أو الإسراء ونحو ذلك، والتزم الشيخ شهاب الدين أبو شامة وغيره، بسبب هذه الرواية 3 أن الإسراء كان مرتين، مرة قبل النبوة بروحه، ومرة بعدها بالجسد، وهذا ضعيف جدا، إذ كيف يجوز أن يحفظ النبي - صلى الله عليه وسلم -4 هذه القصة بطولها، ويعرف جبريل، وفرض الصلوات عليه، وعلى أمته، ثم لما جاءه - صلى الله عليه وسلم - جبريل بالوحي أوّل النبوة يقول لخديجة - رضي الله عنها- "لقد خشيت على نفسي"، إلى غير ذلك مما روى عنه - صلى الله عليه وسلم - أوّل النبوة، من سؤال ورقة، وأصحاب خديجة - رضي الله عنها - (أمر جبريل بكشف قناعها) 5. فهذا التجويز الذي قاله أبو شامة، يطرّق للمحدثين الطعن في النبوة، ولكن لحديث شريك بن أبي نمر مخرج حسن ظاهر، لم أر أحدا تنبه له، وهو في نفس الحديث عند البخاري من طريقه، قال: سمعت أنس بن مالك - رضي الله عنه - يقول عن ليلة أُسري برسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه، وهو نائم في المسجد الحرام، فقال أوسطهم: "أيهم هو"6؟ فقال أوسطهم: "هو خيرهم ". فقال آخرهم: "خذوا خيرهم"، فكانت 7 تلك الليلة، فلم يروه حتى أتوه ليلة أخرى 8، فيما يرى قلبه، وكانت تنام عيناه ولا ينام قلبه، وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم، فلم يكلموه