مكانة العلائي العلمية:
تقدم القول أن الزملكاني كان لا يقرب إلا المهرة من تلاميذه 1، وقد كان العلائي مكتسبا لهذه الصفة، مما جعل الزملكاني يحتفظ به تلميذا بارزا وملازما له سفرا وحضرا 2، وكانت صحة الذهن، وسرعة الفهم صفتين تتمع بهما العلائي، مع جد واجتهاد في طلب العلم، حتى تقدم في العلوم وفاق على أقرانه 3، واحتل مكانة علمية عالية، السبب الذي جعل شيخه المزي - وهو المشهود له بالحفظ وعلو المرتبة في العلم والإمامة - ينزل للعلائي عن مشيخة حلقة صاحب حمص، فدرس بها العلائي، وحضر عنده الفقهاء والقضاة والأعيان 4، وكان عمره حينذاك ثلاثا وثلاثين سنة 5، بلغ الإمامة والتفنن في عدد من العلوم، ومصنفاته تنبىء عن إمامته في كل فن، كان حافظ زمانه لم ير السبكي خلفا له سواه، ولم يخلف العلائي مثله 6، وما يأتي في ذكر مناصبه وألقابه العلمية شاهد على علمه وتقدمه، وقد نقل السبكي عن والده قوله: "ما أعلم أحداً يصلح لمشيخة دار الحديث غير ولدي عبد الوهاب وشخص آخر غائب عن دمشق" ... قال السبكي: "وأنا أعرف أنه الشيخ صلاح الدين العلائي" 7.
وفي ما تقدم برهان يوقف القارئ الكريم على ما كان يتمتع به العلائي - رحمه الله - من مكانة علمية رفيعة، أقر بها كبار العلماء، فقد فاق الأقران وانتزع المناصب من الشيوخ والأعيان 8، لأنه العالم المتبحر، والناقد المنظّر، والمؤلف المحرر، تقدم في علم الرجال والعلل، والمتون والأسانيد 9 كان حافظ زمانه 10، يستحضر الرجال والعلل 11، بلغ الإمامة في علوم كثيرة 12، برع وحقّق ودقّق، قال الصفدي: "اجتمعت به مرة بدمشق،