شوكتها ثم القضاء عليها، على أن هذا العصر لم يخل من ومضات إصلاحية في شتى المجالات، كثيرا ما تعرقلها الخلافات الداخلية، وتهاجمها الحملات الخارجية، وقد أبطلت الفواحش والقمار، والخمور، وقرئت بذلك المراسيم 1، وعممت على البلاد في بعض الأحيان. وكان لها الأثر الإيجابي في حياة المسلمين.

الناحية العلمية:

لقد كان للهجمة التترية الشرسة على العالم الإسلامي أثرها السيء، فقد أخرت عجلة التقدم الحضاري في المجالات السياسية والعلمية والاقتصادية بوجه خاص، وكان المجال العلمي أقل الثلاثة تأثرا، وذلك ليقظة علماء المسلمين الذين كان لهم دور بارز في الإصلاح العلمي، إذ جردوا عن سواعد الجد، ونشطوا في دفع عجلة الحضارة العلمية، وكان لدعم الولاة أثر بارز في بناء المدارس، وتكريم العلماء، حتى ارتفعت ألوية العلم والمعرفة وازدهر التأليف في مختلف العلوم والفنون، فبرز علماء أفذاذ، أثروا المكتبة الإسلامية بذخائر، تجسدت آثارها في الحياة عند المسلمين عبر الأجيال.

الناحية الحضارية بوجه عام:

حاول أعداء الإسلام غير مرة القضاء على الحضارة الإسلامية من خلال ضرب المراكز الثقافية، ومن أعظم ما منيت به الثورة المعرفية الإسلامية إسقاط الدولة العباسية، والاستيلاء على مهد حضارتها ببغداد في عام 656 هـ.

وكانت الهجمة التترية في غاية الحقد والهمجية، انتقاما من الإسلام وأهله، غير أن تلك القسوة لم تكن محققة لأطماع الأعداء من التتر وغيرهم، فقد احتضنت مصر والشام الحضارة الإسلامية، وحاول القطران القيام بأعباء الحضارة في مختلف الأدوار على غرار ما قدمت بغداد، لاسيما في المجال العلمي، وقد كان للمماليك دور بارز في إقامة الجوامع الكبيرة ودور العلم، حتى أضحت القاهرة بديلا عن بغداد، شيدت فيها مراكز العلم والمعرفة، وتوزعت جهود المماليك في محاولة جادة لإقامة الحضارة الإسلامية من خلال بناء المدارس، وتشييد الجوامع، ورفع الحصون والقلاع لحماية الثغور والمدن، ونصب الجسور على الأنهار، وحفر القنوات، وسك العملات وكانت إيجابيات الحضارة العلمية ملموسة في حياة المسلمين في ذلك العصر، رغم الاضطرابات السياسية في الداخل والخارج 2.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015