عبد الله بن خرداذبه في كتابه المعروف (بالمسالك والممالك) وهو أعم هذه الكتب شهرة في خواص الناس وعوامهم في وقتنا هذا وكذلك محمد بن احمد بن النجم ابن ابى عون الكاتب في كتابه (المترجم بالنواحى والآفاق والاخبار عن البلدان) وكثير من عجائب ما في البر والبحر وغيرهم ممن لم نسمه، فكل استفرغ وسعه وبذل مجهوده، وقد يدرك الواحد منهم ما لا يدركه الآخر وقد ذكرنا في كتابنا هذا وما سلف قبله من كتبنا التي هذا سابعها أخبار العالم وعجائبه، ولم نخله من دلائل تعضدها، وبراهين توتدها عقلا وخبرا، وغير ذلك مما استفاض واشتهر وشاهد من الشعر على حسب الشيء المذكور وحاجته الى ذلك ونحن وان كان عصرنا متأخرا عن عصر من كان قبلنا من المؤلفين، وأيامنا بعيدة عن أيامهم فلنرجو أن لا نقصر عنهم في تصنيف نقصده وغرض نؤمه، وان كان لهم سبق الابتداء فلنا فضيلة الاقتداء، وقد تشترك الخواطر وتتفق الضمائر، وربما كان الآخر أحسن تأليفا، واتقن تصنيفا لحنكة التجارب وخشية التتبع والاحتراس من مواقع الخطأ، ومن هاهنا صارت العلوم نامية غير متناهية، لوجود الآخر ما لا يجده الأول وذلك الى غير غاية محصورة ولا نهاية محدودة، وقد أخبر الله عز وجل بذلك فقال وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ 12: 76 على أن من شيم كثير من الناس الإطراء للمتقدمين وتعظيم كتب السالفين ومدح الماضي وذم الباقي، وان كان في كتب المحدثين ما هو أعظم فائدة وأكثر عائدة وقد ذكر ابو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ أنه كان يؤلف الكتاب الكثير المعاني الحسن النظم، فينسبه الى نفسه فلا يرى الأسماع تصغى اليه ولا الإرادات تيمم نحوه، ثم يولف ما هو انقص منه مرتبة وأقل فائدة ثم ينحله عبد الله بن المقفع أو سهل بن هارون أو غيرهما من المتقدمين ومن قد طارت أسماؤهم في المصنفين فيقبلون على كتبها، ويسارعون