المغرب مما يلي بلاد أبى عفير وبصرة المغرب، ثم مساكن البربر الذين يدعون أصحاب الاخصاص وكثير من مساكن السودان ويصب اليه أنهار عظيمة من بلاد الأندلس والافرنجة وغيرهم من الأمم منها نهر قرطبة قصبة الأندلس في هذا الوقت ودار مملكة بنى أمية، مبدأ هذا النهر من جبل على نحو ستة أيام من قرطبة يدعى لينشكه، ويجرى في هذا النهر مراكب كثيره الى قرطبة فإذا فصل عنها صار الى مدينة شبيلية وهي على يومين من قرطبة ومن شبيلية الى مصبه في هذا البحر يومان، وعلى هذا البحر المحيط مما يلي الأندلس جزيرة تعرف بقادس مقابلة لمدينة شذونة من مدن الأندلس بينها وبين شذونة نحو من اثنى عشر ميلا في هذه الجزيرة منارة عظيمة عجيبة البنيان على أعاليها عمود عليه تمثال من النحاس يرى من شذونة، وورائها العظمة وارتفاعه، ووراءه في هذا البحر على مسافات معلومة تماثيل أخر في جرائر يرى بعضها من بعض وهي التماثيل التي تدعى الهرقلية، بناها في سالف الزمان هرقل الملك الجبار تنذر من رآها أن لا طريق وراءها ولا مذهب، بخطوط على صدورها بينة ظاهرة ببعض الأقلام القديمة وضروب من الإشارات بأيدي هذه التماثيل تنوب عن تلك الخطوط لمن لا يحسن قراءتها، صلاحا للعباد ومنعا لهم في ذلك البحر من التغرير بأنفسهم.
وأمر هذه الأصنام مشهور من قديم الزمان الى هذا الوقت وهو سنة 345 قد ذكرتها الفلاسفة القدماء وغيرهم ممن عنى بهيئة الأرض وأخبار العالم، منهم صاحب المنطق في كتابه في الآثار العلوية وهو أربع مقالات، فقال في المقالة الاولى منه- عند ذكره النهر المعروف بطرسيوس- ويسيل الى أن يبلغ خارجا من الأصنام التي أقامها هرقل الملك الجبار وذكر ذلك أيضا في آخر المقالة الثانية من كتاب السماء والعالم وهو