على الدرس الفقهي، حتى قال قائلهم: "فحن أناس خليليون، إن ضل ضللنا" (?). فأصبح كثير من المهتمين بتاريخ الفقه الإسلامي يرون المذهب المالكي من خلال بعض المختصرات وشروحها، فأصدروا في حقه أحكامًا لا تنسجم وواقع المذهب ولا تتسم بالدقة، لعدم اعتمادها على مقتضيات التأريخ العلمي، والذي من أهم أركانه الدراسة المتأنية والمسح الكامل لأهم ما كتبه الفقهاء، وهذا أمر منيع المطلب صعب المرام في هذا الوقت على الأقل وذلك لسبب واحد وهو أن كثيراً من المؤلفات الفقهية لا زالت مخطوطة أو مفقودة.
فلكي نتمكن من التأريخ السوي لفقهنا لا بدّ لنا أولاً من إنقاذه من التلف والضياع، وذلك بإخراج الدرة إثر الدرة واللؤلؤة النادرة في عقب أختها، ثم تسليط أضواء النقد عليها في رحابة صدر ونقاوة منهج، فيتعاون الكل على صقل هذه الدرر وجلاء تلك اللآلئ.
وقد يقول قائل ها نحن قمنا بتحقيق تلك الكتب وأخرجناها إلى الوجود، وتوصلنا إلى أحكام دقيقة وسوية على المنهجية الفقهية المالكية ... فما الثمرة التي نجنيها من ذلك؟ وبأي شيء تفيدنا في عصر الذرة والفضاء والعولمة الاقتصادية والفكرية؟ أليس في هذه الكتب الموجودة كفاية؟ أليس من الأجدى أن نبذل هذه الجهود في أمور تساعدنا على التخلص من ربقة التخلف والتبعية للغرب؟ تساؤلات كثيرة من هذا القبيل نسمعها من هنا وهناك.
والإجابة عن هذه التساؤلات ليست من عزائم هذه المقدمة ولا من أهدافها، ورغم ذلك أقول وباختصار: إن هذه التساؤلات تدور حول نقطتين