هكذا ثبتت الرواية عن أبي علي - رحمه الله - في البيت الآخر: حين يبصر بفتح الصاد. مستفاد بالرفع ولا يتوجه لي معناه. ورواه أبو العباس الأحول - رحمه الله -: غشوم حين يبصر، بكسر الصاد، مستفاداً بالنصب؛ وهذا حسن بين المعنى، يريد أنه منتهز للفرصة إذا رأى أنه مستفيد من عدوه فائدة غشم فابتزها، أو مدرك فيه بغية وثب فنالها؛ ورواه أحمد بن عبيد - رحمه الله -: " حين يبصر مستقاداً " بالقاف، يريد مستقاداً منه ومن له عنده ثأرٌ؛ ويقوي هذه الرواية عجز البيت: " وخير الطالبي الترة الغشوم " ورواه الرياشي حين ينصر بالنون مستقاداً بالقاف، أي مطلوباً بقودٍ. وعبد الرحمن هذا هو أخو زيادة، ابني زيد بن مالك بن عامر بن قرة أحد بني سعد هذيم ابن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة. وكان هدبة بن خشرم قتل زيادة بن زيد، فلما سُجن هدبة في دمه جعل القرشيون بالمدينة يكلمون عبد الرحمن في أمر هدبة وأضعفوا له الدية حتى بلغت عشراً؛ منهم: سعيد بن العاص، وعبد الله بن عمرو، والحسين بن علي، وعمرو بن عثمان بن عفان - رضي الله عنهم أجمعين - وهو يردد الإباء، فلما أكثروا عليه أنشدهم هذا الشعر المذكور، فلما سمعه هدبة قال: إن فيه لمطعماً فعاودوه، ففعلوا؛ فقال عبد الرحمن حين عاودوه:
باسْتِ امِرئٍ واسْتِ التي زَجَرَتْ به ... إذا نَالَ مالاً من أَخٍ وهو ثَائِرُهْ
وإنِّي وإن ظَنَّ الرجالُ ظُنُونَهُمْ ... على صَيْرِ أَمْرٍ لم تشَعَّبْ مَصَادِرُهْ
وهي أبيات فلما أنشدها هدبة قال: دعوه، فوالله لا يقبل عقلا أبداً، جزيتم خيراً؛ فأقام هدبة السجن ست سنين حتى أدرك المسور بن زيادة؛ ومات عبد الرحمن في خلال ذلك، فكان المسور هو الذي تولى قتل هدبة. وذكر المدائني أن المسور قد كان اختار العفو وأخذ الدية حتى قالت له أمه: والله لئن لم تقتل هدبة لأنكحته! فيكون قد قتل أباك ثم نكح أُمك فتسبك بذلك العرب يد المسند، فلفته ذلك عن مذهبه، ومضى على الاتئار من هدبة وقتله.