رأيين في الحرب لم يصمم على أحدهما، فيقول له قائل: ليس هذا بصواب بل الصواب كذا وكذا، فيقول له صدقت، فيعلم الحاضرون لذلك، إنما صدقه ليتنبه على وجه الرأي والمصلحة، لأن قول ذلك عنده أصوب من رأيه وقول عمر في الجد اتبعوني يعني اتبعوا دليلي، كما يدعو أحدنا الآخر في النظر إلى الأخذ بدليله لا إلا تقليده.
فقال له عثمان رأيك رشيد في هذا الدليل، ورأي أبي بكر في دليله نعم الرأي، ولهذا عثمان وعبد الرحمن قالا لعمر: إنما أنت مؤدب لا شيء عليك ولم يتبعهما واتبع قول علي، فدل على أن اجتهاده أداه إلى قول علي في هذه المسألة وكذا قول ابن مسعود بان لي إذ كرهت وجه الكراهة فكرهت ذلك أيضاً.
واحتج: بأنه حكم يسوغ الاجتهاد فيه فجاز التقليد فيه، كما لو كان المستفتي عامياً.
والجواب: أن العامي عادم للآلة المؤدية إلى الحكم باجتهاده، [فجاز له التقليد، أما العالم] فلم يجز له التقليد كالعامي في العقليات من التوحيد والنبوة وغير ذلك، ولأن العامي لما جاز له التقليد وجب عليه التقليد وترك مخالفة من قلده، والعالم لا يجب عليه التقليد ويجوز له مخالفة من قلده إلى اجتهاده فافترقا.
واحتج: بأنه يجوز للعالم أن يقلد الرسول ويقلد الصحابي ويترك اجتهاده وكذلك يجوز أن يقلد من هو أعلم منه أو مثله.
والجواب: أن ما سمعه لا يسمى فيه مقلداً، بل هو الحجة.