فإن قيل: إنما يتناظرون، لأن كل واحد منهم يعتقد أن أمارته أقوى من أمارة خصمه، فهو يناظره ليريه ذلك. ومتى أظهر أحدهم أن أمارته أقوى (يلزم) خصمه الرجوع إليها وصارت هي فرضه.
قلنا: وما الفائدة لمُبين أمارته أنها أقوى أن يغير فرض خصمه وينقله مما هو صواب وحق عنده إلى ما هو صواب وحق أيضاً؟، وهل هذا إلا عبث، فبان: أنه يقصد أن يرده إلى الأمارة الأقوى التي هي علامة على الحق المطلوب (وتنزه عن كونه على) الخطأ الذي ليس بمطلوب.
ودليل آخر: أن كل مسألة من مسائل الاجتهاد لا يخلو أن يكون فيها أمارة هي أقوى من غيرها، أو يكون فيها أمارتان متكافئتان، على قول من يذهب إلى تكافيء الأدلة، فإن (كانت) فيها أمارة هي أقوى، فقد كلف المجتهد طلبها والحكم بها، ومتى كان فيها أمارتان متكافئتان، فقد كلف معرفة تكافئهما والتخيير بين (حكميهما)، وإنما قلنا (أنه) يكلف ذلك، لأن المجتهد طالب ومعلوم أنه لا يطلب الأمارة الأضعف فثبت أنه يطلب الأقوى، وهذا ما نقوله أن المجتهد يكلف طلبه.
ودليل آخر: أن المجتهدين إذا اختلفا في بيع، فقال أحدهما: إنه صحيح، وقال الآخر: إنه باطل، أو اختلفا (في مسكر)