ثم قال: (فإن قيل: لعل فيه خلافًا.
قلنا: لا يمكن أن يخالف أحد في هذا، إلا من كان حديث عهد بإسلام، لا يدري عن الإِسلام شيئًا، أما من عاش بين المسلمين فإنا نعلم أنه يعتقد وجوب الصلوات الخمس، وكذلك تحريم الزنا، فإن العلماء مجمعون عليه إجماعًا قطعيًا، وكذلك حِلّ الخبز فهو مجمع عليه).
ثم قال الشيخ: (والظني: ما لا يعلم إلا بالتتبع والاستقراء).
وقال في "شرح الأصول" (ص/498): (الثاني هو الظني، والظني: ما لا يعلم إلا بالتتبع والاستقراء، يعني ليس معلومًا بالضرورة، بل مُتَتبَّع، فَيُتتبَّع من الكتب التي تنقل الآَثار عن المتقدمين، وتتبع الكتاب التي ألفها المتأخرون، وينظر فإذا أجمعت الكتب والآثار على حكم من الأحكام قلنا: هذا إجماع، لكنه ليس قطعيًا، ليس إجماعًا قطعيًا؛ لأنه يجوز أن يكون هناك خلاف لم نعلمه).
ومقصود الشيخ هنا التمثيل لا الحصر.
فالإجماع القطعي هو: ما وجد فيه الاتفاق مع الشروط التي لا يختلف فيه مع وجودها ونقله أهل التواتر، كالذي يعلم بالضرورة وقوعه من الأمة، ومنه النطقي المتواتر، والقولي المشاهد في حق من شاهده.
والإجماع الظني هو: ما تخلف فيه أحد القيدين (الاتفاق أو تحقق بعض الشروط) بأن يوجد مع الاختلاف فيه كالاتفاق في بعض العصر وإجماع التابعين على أحد قولي الصحابة أو توجد شروطه لكن ينقله آحاد (النطقي المنقول آحادا)، وكالإجماع الإقراري والإجماع الاستقرائي (وهو ما لا يعلم إلا بالتتبع والاستقراء الناقص) وكالإجماع السكوتي المتواتر، أو السكوتي المنقول آحادا.
قال الشيخ: (ويكفر مخالفه - أي القطعي - إذا كان ممن لا يجهله).
وقال تقي الدين في "مجموع الفتاوى" (19/ 269): (وقد تنازع الناس في مخالف الإجماع هل يكفر على قولين والتحقيق أن الإجماع المعلوم يكفر مخالفه كما يكفر مخالف النص بتركه لكن هذا لا يكون إلا فيما علم ثبوت النص به وأما العلم بثبوت الإجماع في مسألة لا نص فيها فهذا لا يقع وأما غير المعلوم فيمتنع تكفيره).