بعد أن تكلم الشيخ عن تقسيم الكلام من حيث إمكان وصفه بالصدق وعدمه (خبر، وإنشاء) ثم تكلم عن تقسيم الكلام باعتبار آخر وهو من حيث الاستعمال وقسمه بهذا الاعتبار إلى حقيقة ومجاز.
وقد اختلف العلماء في المجاز بين مجيز، ومانع، ومفصل فالجمهور على الجواز والوقوع مطلقا، وذهب بعض العلماء والمحققين منهم أبو إسحاق الاسفرائيني من الشافعية، وأبو علي الفارسي من أهل اللغة وتقي الدين وتلميذه ابن القيم والشنقيطي إلى المنع مطلقا، وذهب بعض العلماء منهم داود بن علي، ومن الشافعية ابن القاص، ومن المالكية ابن خويز منداد، ومن الحنابلة جمع منهم: أبو الفضل التميمي، وأبو عبد الله بن حامد وأبو الحسن الخرزي، وغيرهم إلى المنع في القرآن وحده دون اللغة، وانفرد داود الظاهري بالقول بالمنع في القرآن والسنة دون غيرهما، وذهب ابن حزم إلى التفصيل بين ما فيه حكم شرعي وغيره، فما فيه حكم شرعي لا مجاز فيه وما لا فلا.
والشيخ العثيمين كان يرى القول الأول وهو الجواز والوقوع مطلقا ثم تبين له قول تقي الدين ووجهه فرجع إليه.
قال الشيخ الحقيقة هي: (اللفظ المستعمل فيما وضع له).
قال في شرح الأصول (ص/120): (خرج باللفظ الإشارة، فالإشارة لا توصف بحقيقة ولا مجاز - حتى لو فهمت - لأنها ليست بلفظ، والكتابة أيضا عندهم لا تسمى حقيقة ولا مجازا من حيث الكتابة ولكن من حيث المكتوب قد يكون حقيقة أو مجازا.
وقال: فخرج بقولنا: " المستعمل " المهمل فلا يسمى حقيقة ولا مجازاً.
وخرج بقولنا: " فيما وضع له " المجاز؛ لأن المجاز مستعمل في غير ما وضع له).
قال الشيخ: (وتنقسم الحقيقة إلى ثلاثة أقسام: لغوية، وشرعية، وعرفية.
فاللغوية هي: اللفظ المستعمل فيما وضع له في اللغة.
والحقيقة الشرعية هي: اللفظ المستعمل فيما وضع له في الشرع.
والحقيقة العرفية هي: اللفظ المستعمل فيما وضع له في العرف).
قال المرداوي في التحبير (1/ 389): (الحقيقة ثلاثة أنواع: أحدها: اللغوية، وهي الأصل، كالأسد على الحيوان المفترس. الثاني: الحقيقة العرفية، وحدها: ما خص عرفاً