قال الشنقيطي في " المذكرة" (ص/89): (وضابط مفهوم الموافقة هو ما دل اللفظ لا في محل النطق على أن حكمه وحكم المنطوق به سواء وكان ذلك المدلول المسكوت عنه أولى من المنطوق به بالحكم أو مساوياً له).
فمثال الأولوي: ما يفهم من اللفظ بطريق القطع؛ كدلالة تحريم التأفيف على تحريم الضرب؛ لأنه أشد.
ومثال المساوي: تحريم إحراق مال اليتيم الدال عليه قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا) [النساء:10] فالإحراق مساو للأكل بواسطة الإتلاف في الصورتين.
وعليه فلابد من تقييد هذه القاعدة بكون المفهوم مفهوم مخالفة فتصير: (يقدم المنطوق على مفهوم المخالفة).
وقد مثل له الشيخ في "الشرح" (ص/590) بترجيح منطوق حديث أبي سعيد - رضي الله عنه -: (الماءُ طهورٌ لا يُنجِّسْه شيءٌ) على مفهوم حديث القُلَّتين ولفظه عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الماء وما ينوبه من الدواب والسباع فقال صلى الله عليه وسلم: (إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث) فإنه يُؤخذُ منه - بطريق مفهوم المخالَفة - أن ما نقص عن القُلَّتين يتنجّسُ بملاقاة النجاسة، وإنْ لم يتغيّرْ، ومنطوقُ الأول يدلُّ على عدم تنجُّسِه إذا لم يتغيّر لونُه أو طعمُه أو ريحُه.
يقدم المثبت على النافي؛ لأن مع المثبت زيادة علم مع إفادته للتأسيس، والتأسيس أولى من التأكيد إلا أن يستند النفي إلى علم بالعدم، فيستويان ويطلب الترجيح بينهما أو يتوقف في الاستدلال بهما.
قال الطوفي في "شرح مختصر الروضة" (3/ 700): (قوله: " والمثبت "، أي: ويقدم الخبر المثبت " على النافي "، يعني الدال على ثبوت الحكم على الخبر الدال على نفيه، كإثبات بلال - رضي الله عنه - صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الكعبة على رواية ابن عباس في نفيها؛ لأن عند المثبت زيادة علم ممكنة وهو عدل جازم بها.
قوله: " إلا أن يستند النفي إلى علم بالعدم، لا عدم العلم، فيستويان " يعني أن نفي النافي إن استند إلى عدم العلم، كقوله: لم أعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى بالبيت، ولم أعلم أن فلانا قتل فلانا، لم يلتفت إليه، وكان إثبات المثبت للصلاة، وقتل فلان مقدما لما سبق. وإن استند نفي النافي إلى علم بالعدم، كقول الراوي: اعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يصل بالبيت، لأني كنت معه فيه، ولم يغب عن