لأن الذين ماتوا على القول الآخر من الأمة لا يبطل مذهبهم بموتهم ولذلك يقال خالف أحمد أو وافق بعد موته، فإن قيل إن ثبت نعت الكلية للتابعين فيكون خلاف قولهم حراما وإن لم يكونوا كل الأمة فلا يكون قولهم إجماعا أما أن يكونوا كل الأمة في شيء دون شيء فهذا متناقض. قلنا: الكلية تثبت بالإضافة إلى مسألة حدثت في زمنهم أما ما أفتى به الصحابي فقوله لا يسقط بموته ولو مات القائل فأجمع الباقون على خلافه لا يكون إجماعا، ولو حدثت مسألة بعد موته فأجمع عليها الباقون على خلافه كان إجماعا.
ومن وجه آخر أن اختلاف الصحابة على قولين اتفاق منهم على تسويغ الأخذ بكل واحد منهما فلا يبطل إجماعهم بقول من سواهم).
قال الشيخ: (ولا يشترط على رأي الجمهور انقراض عصر المجمعين).
المقصود بانقراض العصر هو موت جميع من هو من أهل الاجتهاد في وقت نزول الحادثة بعد اتفاقهم على حكم فيها.
وقد اختار الشيخ الرواية التي أومأ إليها أحمد، وهي اختيار الكلوذاني.
واختيار الشيخ هو الراجح لهذه الأدلة (?):
الأول: أن الدليل السمعي الدال على صحة الإجماع وعصمته «عام» في كونه حجة قبل انقراض العصر وبعده «فالتخصيص» بأنه إنما يكون حجة بعد انقراض العصر «تحكم» من غير دليل.
الثاني - «لو اشترط» انقراض العصر لصحة الإجماع «لما صح احتجاج التابعين على متأخري الصحابة به» أي: بالإجماع، إذ قد كان للصحابة أن يقولوا للتابعين: كيف تحتجون علينا بالإجماع وهو لم يصح، ولم يستقر بعد، لأن شرط صحته انقراض عصر المجمعين عليه، وهو باق لأننا نحن من المجمعين، وها نحن باقون، لكن التابعون كانوا يحتجون بالإجماع على متأخري الصحابة، كأنس وغيره، ويقرونهم عليه، فدل على أن انقراض العصر لا يشترط لصحة الإجماع.