وقال بعضهم: متى قال البخاري: "قال لي" و"قال لنا"، فاعلم أنه إسناد لم يذكره للاحتجاج به، وإن ذكر للاستشهاد به، وقال أبو جعفر النيسابوري: كل ما قال البخاري: "قال لي" فلان فهو عرض ومناولة.
وقال ابن الصلاح: وكثيراً ما يعبر المحدثون بهذا اللفظ عما جرى بينهم في المذاكرات والمناظرات، وأحاديث المذاكرة قَلَّمَا يحتجون بها.
وأما "عدا" و"أن"، و"قال" و"ذكر"، فإنها محمولة على السماع إذا عرف اللقاء، وبرىء الراوي من وصمة التدليس عند البخاري.
فإذا ورد عمن عرف من حاله أنه لا يقول: "قال فلان"، إلا فيما سمعه منه حمل عليه.
أما عند مسلم: فهي محمولة على السماع متى ثبتت المعاصرة، وأمكن اللقاء، ولم يكن مدلساً.
واشترط أبو مظفر السمعاني طول الصحبة بينهما.
واشترط أبو عمرو الداني معرفته بالرواية عنه.
واشترط أبو الحسن القابسي أن يدركه إدراكاً بيناً.
قال شيخ الإسلام: "من حكم بالانقطاع مطلقاً شدد، ويليه من شرط طول الصحبة، ومن اكتفى بالمعاصرة سهل، والوسط الذي ليس بعده إلا التعنت مذهب البخاري، ومن وافقه". وكثر في الأعصار المتأخرة استعمال "عن" في الإجازة، فإذا قال أحدهم: "قرأت على فلان" عن فلان فمراده أنه رواه عنه بالإجازة، وكذلك "أن"، فيقولون في الإجازة: "أخبرنا فلان أن فلاناً"، و"أنَّ" مثل "عن" عند الجمهور، وقال بعضهم: إنها محمولة على الانقطاع حتى يتبين السماع.
وحقق الخطيب أن "قال" ليست مثل "عن" فإن الاصْطِلاَحَ فيها مختلفٌ، فبعضهم يستعملها في السماع دائماً؛ كحجاج بن موسى المصيصي الأعور، وبعضهم بالعكس، لا يستعملها إلا فيما لم يسمعه دائماً، وبعضهم تارة كذا وتارة كذا كالبخاري، فلا يحكم عليها بحكم مطرد، ومثل "قال" "ذكر"، واستعملها أبو قرة في "سننه" في السماع.
قال ابن الصَّلاح: وربما دلس بعضهم، فذكر الذي وجد خطه، وقال فيه: عن فلان أو قال فلان، وذلك تدليس قبيح إذا كان بحيث يوهم سماعه منه.
وإذا وجدنا حديثاً في تأليف شيخ، فله أن يقول: "ذكر" فلان أو "قال" فلان: "أخبرنا" فلان، أو "ذكر" فلان "عن" فلان، وهذا منقطع لم يأخذ شطراً من الاتصال، وهذا إذا وثق بأنه كتابه.