والتزم الإسناد من بعدهم التابعون فكان الشعبي يتنقل من راوٍ إلى راو حتى قال يحيى بن سعيد: "وهذا أول من فتش في الإسناد".
وقال أبو العالية: كنا نسمع الرواية بالبصرة عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما رضينا حتى رحلنا إليهم فسمعناها من أفواههم1.
ويقول عبد الله بن المبارك: الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء2.
وقد أتقن التابعون الإسناد وبرزوا فيه كما برزوا في غيره فها هو أبو داود الطيالسي يقول: وجدنا الحديث عن أربعة: الزهري وقتادة وأبي إسحاق والأعمش فكان قتادة أعلمهم بالاختلاف والزهري أعلمهم بالإسناد وأبو إسحاق أعلمهم بحديث علي وابن مسعود، وكان عند الأعمش من كل هذا3.
ولا يطعن في التزام التابعين بالإسناد المتصل ما روي عن بعض التابعين من المراسيل؛ لأن هناك روايات تؤكد أن هذا المرسل كان يذكر من حدثه عندما يسأل عن الإسناد.
وهذا يؤكد أنهم كانوا على جانب كبير من العلم ومعرفة السند وإنما كانوا يتركونه اختصاراً، وكان الجالسون يثقون فيهم، وكيف لا وهم أنفسهم سند؟.
ثانياً:- مضاعفة النشاط العلمي والتثبت من الحديث:
من نعم الله على المسلمين أن الصحابة قد تفرقت في الأمصار والأقطار، وزاد الله لهم في الأعمار ليسهموا في حفظ السنّة عقب الفتنة وظهور البدعة.
وكان التابعون وأتباع التابعين على نطاق واسع من التنقل والترحال في سبيل تحمل الحديث عن الثقات ومذاكرة الأحاديث، يقول سعيد بن المسيب: "إن كنت لأسير الليالي والأيام في طلب الحديث الواحد" وعن الزهري عن ابن المسيب مثله4.
وكان أئمة الحديث في هذا العصر على جانب عظيم من الوعي والإطلاع، فقد كانوا يحفظون الحديث الصحيح والضعيف والموضوع حتى لا يختلط عليهم الحديث وليميزوا الخبيث من الطيب.
ثالثاً- تتبع الكذبة: وذلك بمحاربتهم على رؤوس الأشهاد ومنعهم من التحديث ويستعدون عليهم الحكام فكان من نتيجة ذلك أن توارى كثير من الكذابين وكفوا عن