جهود الصحابة والتابعين في مقاومة الوضاعين

سئل عبد اللَّه بن المبارك رضي اللَّه عنه عن الأحاديث الموضوعة فقال: تعيش لها الجهابذة ثم تلا قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] .

وإليك ما بذله هؤلاء الجهابذة في سبيل حفظ الحديث الشريف أوجزها لك على النحو التالي:

أولاً:- التزام الإسناد:

لم يكن المسلمون في صدر الإسلام إلى خلافة عثمان يكذب بعضهم بعضاً، فالثقة تملأ صدورهم، والإيمان يعمر قلوبهم حتى إذا ما وقعت الفتنة العمياء التي تبناها عبد الله بن سبأ اليهودي، وتكونت على أثرها الفرق والأحزاب وبدأ الكذب على رسول الله من ذوي الأغراض والأهواء وقف الصحابة والتابعون لها وقفة قوية للحفاظ على الحديث الذي كان محفوظاً في الصدور، ومكتوباً من بعض الصحابة في السطور وأصبحوا يشددون في طلب الإسناد من الرواة، والتزموه في الحديث لأن السند للخبر كالنسب للمرء.

يقول محمد بن سيرين: "لم يكونوا -رضي الله عنهم- يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم فينظر إلى أهل السنّة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ عنهم"1. كان الصدق والإخلاص والأمانة رائد هؤلاء فكان السند عندهم قائماً يرويه صحابي عن آخر إذا لم يسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة، فكان البراء بن عازب يحدث عن علي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك أبو أيوب الأنصاري عن أبي هريرة، وقد حدث الصحابة بعضهم عن بعض.

ولقد عرفوا الإسناد قبل الإسلام ولعل خير دليل ما كانوا يسندونه من القصص والأشعار في الجاهلية، وإنما التزموا التثبت من الإسناد بعد وقوع الفتنة، وهكذا كان ابن عباس لا يأذن للبعض أثناء الحديث أي لا يعطي المحدث أذنه ولا يصغي إليه حتى إذا ما سئل في ذلك أجاب: كنا إذا سمعنا الرجل يقول: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ابتدرناه بأبصارنا، وأصغينا إليه بآذاننا؛ فلما ركب الناس الصعب والذلول لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف2.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015