لله أياما به ولياليا ... سلفت وكانت بالتواصل زاهره
تالله، لم يأت الزمان بمثله ... أبدا ولم ير مثله من عاصره
شهدت له كل العقول بأنه ... ما مثله هو درة هي فاخره
دانت لفطنته العلوم فلم تزل ... أبدا إليه كل وقت سائره
يا أيها الشعراء، هذا سوقكم ... كانت له تأتي التجار مبادرة
واليوم أغلق بابه فلأجل ذا ... أضحت تجارتكم لديكم بائره
كم من حديث قد رواه مسلسلا ... ومدبجا وله معان ظاهره
وكذا غريبا مسندا ومصححا ... جملا وأخبارا غدت متواتره
إني لأعجز أن أعد فضائلا ... فيه وأعجز أن أعد مآثره
كم طالب أقلامه من بعده ... جفت ولم تمسك يداه محابره
أسفا عليه نقول يا نفس اصبري ... فتقول: ما أنا عند هذا صابره
درست دروس العلم بعد وفاته ... ومعاهد الإملاء أضحت دائره
أسفي على قاضي القضاة مؤبد ... زفرات قلبي كل وقت ثابره
أسفي على شيخ العلوم ومن غدت ... أفكار كل الخلق فيه حائره
أسفي على من كان بين صحابه ... كالبدر في وسط النجوم الزاهره
ولقد نعى قبل المنية نفسه ... إذ كل نفس للمنية صائره
لما رأى أجل الحياة قد انقضى ... أضحى يشير إلى الصحاب مبادره
ويقول أبياتا وليست نظمه ... لكن بلفظ منه أضحت فاخره
وزمخشري ناظم أبياتها ... هي أربع معدودة متواتره
كل الورى من بعده اشتلغوا بها ... فاسمع فأولها أقول مذاكره
قرب الرحيل إلى ديار الآخره ... فاجعل إلهي خير عمري آخره
وارحم مبيتي في القبور ووحدتي ... وارحم عظامي حين تبقى ناخره
فأنا المسيكين الذي أيامه ... ولت بأوزار غدت يا إلهي زاخره
ها آخر الأبيات قد أوردتها ... فيما نظمت تبركا ومكاثره
وأعود أذكر بعد ذلك حالتي ... وأبث أحزانا يقلبي حاضره
وأقول: مات أبو المكارم والندى ... ملقي الدروس وذو العلوم الباهره
ما كان أحسن لفظه وحديثه ... ما كان قط يمله من عاشره
ولو أنه يفدى لكنت له الفدا ... وأود لو أني سددت مقاصره
لهب بقلبي بعده لا ينطفي ... ودموع عيني لم تزل متقاطره
فالله يسقي قبره ماء الحيا ... أبدا ويورده سحابا ماطره