وله مع علمه وأدبه شجاعة يقمع بها الخصوم، فمما ذكره ابن خلطان في ذلك أن التلميذ الطبيب وكان ملازما للخليفة أراد أن يفحم الجواليقي ففحمه الجواليقي، ذلك أن الجواليقي حين حضر وقت الصلاة دخل على الخليفة كالعادة وكان معه ابن التلميذ، فقال الجواليقي: السلام على أمير المؤمنين ورحمة الله تعالى.
فقال ابن التلميذ - وكان نصرانيا-: .. ما هكذا يسلم على أمير المؤمنين يا شيخ. فلم يلتفت إليه الجواليقي وقال للمقتفي بالله: يا أمير المؤمنين، سلامي هو ما جاءت به السنة النبوية، وروى خبرا في صورة السلام، اقتنع به الخليفة، وانكسر له ابن التلميذ.
وكانت للجواليقي همة في العلم لت تعرف الكلل، وإذا سئل عن شيء يجهله لا يتوانى عن البحث عنه حتى يعرف. سأله سائل مرة قائلا: سمعت بيتين من الشعر ولم أفهم معناهما، وأريد أن تعرفني معناهما وأنشد:
(وصل الحبيب جنان الخلد أسكنها ... وهجره النار يصليني بها النارا)
(فالشمس بالقوس أمست وهي نازلة ... إن لم يزرني وبالجوزاء إن زارا)
فقال له: هذا شيء من معرفة علم النجوم وسيرها لا من صنعة أهل الأدبي.
وبعد انصراف الشاب آلى على نفسه ألا يجلس في حلقته حتى ينظر في علم النجوم ويعرف تسيير الشمس والقمر. ولم يزل الجواليقي جادا في ذلك حتى أتقنه.
ومضى الجواليقي في طريق العلم قارئا ومعلما ومؤلفا حتى ترك من بعده ثروة علمية طائلة منها: شرح أدب الكاتب لابن قتيبة، وكتاب أسماء الخيل وفرسانها عند العرب، وكتاب المعرب من الكلام الأعجمي على حروف المعجم، وهو تفسير للكلمات الأعجمية في اللغة العربية.
وهذا الكتاب الذي بين أيدينا .. ذيل درة الغواص .. الذي أتم به عمل الحريري في درته .. وقد سمي بكتاب التكملة فيما يلحن فيه العامة.
وله تلاميذ نجباء منهم أبو البركات الأنباري العالم الجليل صاحب الكتاب الجليل نزهة الألباء في طبقات الأدباء.