الشاتية، وإنا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه، فقال: «إني على جناح سفر وحال شغل» أو كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ولو قدمنا - إن شاء الله تعالى - أتيناكم فصلينا لكم فيه».
فلما نزل بذي أوان أتاه خبر المسجد، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مالك ابن الدُّخشم أخا بني سالم بن عوف، ومعن بن عديٍّ - أو: أخاه عامر بن عديٍّ - أخا بلعجلان، فقال: «انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله، فاهدماه وحرقاه». فخرجا سريعين حتى أتيا بني سالم بن عوف، وهم رهط مالك بن الدُّخشم، فقال مالك لمعن: انظرني حتى أخرج إليك بنار من أهلي، فدخل أهله فأخذ سعفاً من النخل، فأشعل فيه ناراً، ثم خرجا يشتدَّان حتى دخلا المسجد وفيه أهله، فحرَّقاه وهدماه وتفرقوا عنه، ونزل فيهم من القرآن ما نزل: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا} إلى آخر القصة.
وقوله: {وَلَيَحْلِفُنَّ}، أي: الذين بنوه {إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى}، أي: ما أردناه ببنيانه إلا خيراً ورفقاً بالناس، قال الله تعالى: {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}، أي: فيما قصدوا وفيما نووا، وإنما بنوه ضراراً لمسجد قباء، وكفراً بالله، وتفريقاً بين المؤمنين، وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله، وهو أبو عامر الفاسق، الذي يقال له: الراهب، لعنه الله.
وقوله: {لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا}، نهي من الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم - والأمة تبع له في ذلك، عن أن يقوم فيه، أي: يصلي فيه أبداً، ثم حثَّه على الصلاة في مسجد قباء الذي أسس من أول يوم بنائه على التقوى، وهي طاعة الله، وطاعة رسوله، وجمعاً لكلمة المؤمنين ومعقلاً وموئلاً للإسلام وأهله. ولهذا قال تعالى: