يَتَّقُونَ} [البقرة: 187] فكيف يتقي الناس ما شرع لهم في الصيام، لولا هذا البيان الذي بيّنه الله، وقال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَّا يَتَّقُونَ} [التوبة: 115] فالضلال لا يكون حتى يبين الله للعباد ما يتقونه، فإن، قبلوه، وأخذوا به كانوا من المتقين وإلا كانوا من الضالين، ولذلك لا تقوم الحجة على العباد إلا بإرسال الرسل، وإنزال الكتب لقوله تعالى: {رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةُ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165] وقال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15].
وكتاب الله أعظم ما يدلُّ الناس على ربِّهم تبارك وتعالى، فإذا نظر العبد في كتاب الله عز وجل تجلى الله له بعظمته وجلاله وأسمائه وصفاته، يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: "القرآن كلام الله، وقد تجلى الله فيه لعباده بصفاته، فتارة يتجلى في جلباب الهيبة والعظمة والجلال، فتخضع الأعناق، وتنكسر النفوس، وتخشع الأصوات، ويذوب الكبر، كما يذوب الملح في الماء، وتارة يتجلى في صفات الجمال والكمال، وهو كمال الأسماء وجمال الصفات وجمال الأفعال الدال على كمال الذات، فيستنفد حبه من قلب العبد قوة الحبِّ كلِّها، بحسب ما عرفه من صفات جماله ونعوت كماله، فيصبح فؤاد عبده فارغاً إلا من محبته، فإذا أراد منه الغير أن يعلق تلك المحبة به أبى قلبه وأحشاؤه ذلك كل الإباء، كما قيل:
يراد من القلب نسيانكم ... وتأبى الطباع على الناقل
فتبقى المحبة طبعاً لا تكلفاً، وإذا تجلى بصفات الرحمة والبر واللطف والإحسان انبعثت قوة الرجاء من العبد، وانبسط أمله، وقوي طمعه، وسار