أَدِلَّةِ قَوَاعِدِ الدِّينِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَكَثِيرٍ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَقِيلَ لَا يَسْتَحِقُّ اسْمَ الْمُؤْمِنِ إلَّا بَعْدَ عِرْفَانِ الْأَدِلَّةِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَشْعَرِيِّ. اهـ.
وَإِذَا عُرِفَ هَذَا (فَمَا يَحِلُّ الِاسْتِفْتَاءُ فِيهِ) الْأَحْكَامُ (الظَّنِّيَّةُ لَا الْعَقْلِيَّةُ عَلَى الصَّحِيحِ) فَلَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِيهَا بَلْ يَجِبُ تَحْصِيلُهَا بِالنَّظَرِ الصَّحِيحِ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ، وَاخْتَارَهُ الرَّازِيّ وَالْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ بَلْ حَكَاهُ الْأُسْتَاذُ الْإسْفَرايِينِيّ عَنْ إجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ الْحَقِّ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الطَّوَائِفِ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَذْكُرَ (لَا قَصْرَ صِحَّتِهِ) أَيْ الْمُسْتَفْتَى فِيهِ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ التَّقْلِيدُ (عَلَى) الْأَحْكَامِ (الظَّنِّيَّةِ) بَعْدَ قَوْلِهِ إنْ أَثَّمْنَاهُ، وَقَوْلُهُ (كَوُجُودِهِ تَعَالَى) مِثَالٌ لِمَا هُوَ مِنْ الْعَقْلِيَّاتِ وَمُقَابِلِ الصَّحِيحِ (وَقِيلَ يَجِبُ) التَّقْلِيدُ فِي الْعَقْلِيَّاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالِاعْتِقَادِ (وَيَحْرُمُ النَّظَرُ) وَالْبَحْثُ فِيهَا وَهُوَ مَعْزُوٌّ إلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالظَّاهِرِ، وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْأَحْوَذِيِّ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ.
قُلْت وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ لَمْ يُحْفَظْ عَنْهُمْ، وَإِنَّمَا تُوُهِّمَ عَنْهُمْ مِنْ نَهْيِهِمْ عَنْ تَعَلُّمِ عِلْمِ الْكَلَامِ وَالِاشْتِغَالِ بِهِ وَلَكِنَّ مَنْ تَتْبَعَ حَالَهُمْ عَلِمَ أَنَّ نَهْيَهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ خِيفَ أَنْ يَزِلَّ فِيهِ حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُ قَدَمُ صِدْقٍ فِي مَسَالِكِ التَّحْقِيقِ فَيَقَعُ فِي شَكٍّ أَوْ رِيبَةٍ لَا عَلَى مَنْ لَهُ قُوَّةٌ تَامَّةٌ وَقَدَمُ صِدْقٍ (وَالْعَنْبَرِيُّ) وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى مَا فِي أُصُولِ ابْنِ مُفْلِحٍ وَعَزَاهُ الْآمِدِيُّ إلَى الْحَشْوِيَّةِ وَالتَّعْلِيمِيَّة قَالُوا (يَجُوزُ) التَّقْلِيدُ فِيهَا وَلَا يَجِبُ النَّظَرُ (لَنَا الْإِجْمَاعُ) مُنْعَقِدٌ (عَلَى وُجُوبِ الْعِلْمِ بِاَللَّهِ تَعَالَى) وَصِفَاتِهِ عَلَى الْمُكَلَّفِ (وَلَا يَحْصُلُ) الْعِلْمُ بِهِ (بِالتَّقْلِيدِ لِإِمْكَانِ كَذِبِهِ) أَيْ الْمُفْتِي الْمُخْبِرِ (إذْ نَفْيُهُ) أَيْ الْكَذِبِ عَنْهُ (بِالضَّرُورَةِ مُنْتَفٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعْصُومًا فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ مِنْ الِاجْتِهَادِ فَلَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِقَوْلِهِ فَيَكُونُ تَارِكًا لِلْوَاجِبِ، وَهُوَ الْعِلْمُ الْيَقِينِيُّ (وَبِالنَّظَرِ لَوْ تَحَقَّقَ يَرْفَعُ التَّقْلِيدَ وَلِأَنَّهُ لَوْ حَصَلَ) الْعِلْمُ بِالتَّقْلِيدِ (لَزِمَ النَّقِيضَانِ بِتَقْلِيدِ اثْنَيْنِ) لِاثْنَيْنِ (فِي حُدُوثِ الْعَالَمِ وَقِدَمِهِ) بِأَنْ يَحْصُلَ لِزَيْدٍ الْعِلْمُ بِحُدُوثِهِ تَقْلِيدًا مِنْهُ لِلْقَائِلِ بِهِ وَلِعَمْرٍو الْعِلْمُ بِقَدَمِهِ تَقْلِيدًا لِلْقَائِلِ بِهِ إذْ الْعِلْمُ يَسْتَدْعِي الْمُطَابَقَةَ فَيَلْزَمُ حَقِيقَةُ الْحُدُوثِ وَالْقِدَمِ (الْمُجَوِّزِ) لِلتَّقْلِيدِ فِيهَا النَّافِي لِوُجُوبِ النَّظَرِ وَمُوَافِقُوهُ قَالُوا أَوَّلًا (لَوْ وَجَبَ النَّظَرُ لَفَعَلَهُ الصَّحَابَةُ وَأَمَرُوا بِهِ) ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَتْرُكُونَ وَاجِبًا عَلَيْهِمْ يَتَعَلَّقُ بِهِمْ أَوْ بِغَيْرِهِمْ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فِي تَرْكِهِ، وَالْفَرْضُ انْتِفَاؤُهُ (وَهُوَ) أَيْ الْمَجْمُوعُ مِنْ الْفِعْلِ وَالْأَمْرِ (مُنْتَفٍ) وَلَا سِيَّمَا بِالنِّسْبَةِ إلَى أَكْثَرِ عَوَامِّ الْعَرَبِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا عَالِمِينَ بِالْأَدِلَّةِ الْكَلَامِيَّةِ (وَإِلَّا) لَوْ وُجِدَ ذَلِكَ مِنْهُمْ (لَنُقِلَ كَمَا) نُقِلَ عَنْهُمْ النَّظَرُ (فِي الْفُرُوعِ) فَلَمَّا لَمْ يُنْقَلْ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ (الْجَوَابُ مَنْعُ انْتِفَاءِ التَّالِي) أَيْ عَدَمِ فِعْلِهِمْ، وَإِلَّا لَزِمَ نِسْبَتُهُمْ إلَى أَنَّهُمْ كَانُوا جَاهِلِينَ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَبِصِفَاتِهِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِهِ لَيْسَ ضَرُورِيًّا، وَهُوَ بَاطِلٌ وَعَدَمُ أَمْرِهِمْ غَيْرَهُمْ بِهِ.
(بَلْ عِلْمُهُمْ، وَ) عِلْمُ (عَامَّةِ الْعَوَامّ) بِاَللَّهِ تَعَالَى وَبِصِفَاتِهِ حَاصِلٌ لَهُمْ (عَنْ النَّظَرِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَدْرِ) النَّظَرَ (بَيْنَهُمْ) أَيْ الصَّحَابَةِ (لِظُهُورِهِ) لَهُمْ بِوَاسِطَةِ مَا لَهُمْ مِنْ سَلَامَةِ الْفِطْرَةِ وَمُشَاهَدَةِ الْآيَاتِ الْبَاهِرَةِ (وَنَيْلِهِ) لَهُمْ (بِأَدْنَى الْتِفَاتٍ إلَى الْحَوَادِثِ) لِصَفَاءِ قَرِيحَتِهِمْ وَنَقَاءِ سَرِيرَتِهِمْ وَكَمَالِ اسْتِعْدَادِهِمْ وَكَيْفَ لَا وَهُمْ مُعَايِنُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَنْوَارَ مَنْبَعِ الْأَنْوَارِ، وَهَدْيَ الْمُرْسَلِ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ فِي سَائِرِ الْأَعْصَارِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُعِدُّ النُّفُوسَ الزَّكِيَّةَ لَدَرْكِ الْأُمُورِ الْإِلَهِيَّةِ وَالصِّفَاتِ الْقُدْسِيَّةِ لِانْهِزَامِ عَسَاكِرِ الْأَوْهَامِ الْمُوجِبَةِ لِاخْتِلَافِ الْآرَاءِ وَضَلَالَاتِ الْخَيَالَاتِ وَالْأَهْوَاءِ، وَكَانُوا يَكْتَفُونَ مِنْ النَّظَرِ مِنْ غَيْرِهِمْ بِمَا يَظْهَرُ عَلَيْهِ مِنْ حُصُولِهِ لَهُ مِنْ الِانْقِيَادِ وَالْإِذْعَانِ إلَى الْإِيمَانِ وَآثَارِ الْقَطْعِ بِهِ وَالْإِيقَانِ بِحَيْثُ لَوْ سُئِلَ عَنْ سَبَبِهِ لَأَتَى بِهِ أَكْمَلَ مِمَّا أَجَابَ بِهِ الْأَعْرَابِيُّ لَلْأَصْمَعِيِّ عَنْ سُؤَالِهِ لَهُ بِمَ عَرَفْتَ رَبَّك حَيْثُ قَالَ الْبَعْرَةُ تَدُلُّ عَلَى الْبَعِيرِ وَآثَارُ الْأَقْدَامِ عَلَى الْمَسِيرِ فَسَمَاءٌ ذَاتُ أَبْرَاجٍ وَأَرْضٌ ذَاتُ فِجَاجٍ أَلَا تَدُلُّ عَلَى اللَّطِيفِ الْخَبِيرِ. غَايَتُهُ أَنَّهُمْ مَا كَانُوا يُؤَدُّونَ ذَلِكَ بِالْعِبَارَاتِ وَالتَّرْتِيبِ الْمُتَعَارَفِ لِلْمُتَكَلِّمِينَ (وَلَيْسَ الْمُرَادُ) مِنْ النَّظَرِ الْوَاجِبِ (تَحْرِيرَهُ عَلَى قَوَاعِدِ الْمَنْطِقِ) بَلْ مَا يُوَصِّلُ إلَى الْإِيمَانِ بِطَرِيقِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى أَيِّ طَرِيقٍ كَانَ (وَمَنْ أَصْغَى إلَى عَوَامِّ الْأَسْوَاقِ امْتَلَأَ سَمْعُهُ مِنْ اسْتِدْلَالِهِمْ بِالْحَوَادِثِ) عَلَى مُحْدِثِهَا.
(وَالْمُقَلَّدُ الْمَفْرُوضُ) فِي الْإِيمَانِ