الْمُسْلِمَيْنِ (فَيَصِحُّ) إيمَانُهُ (مَعَ إقْرَارِهِ اخْتِيَارًا عَنْ اعْتِقَادٍ صَحِيحٍ) بِطَرِيقٍ (أَوْلَى وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ) أَيْ فِي تَحَقُّقِ أَصْلِ الْوُجُوبِ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ مِنْ خِلَافِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ فِي الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ (فَأَمَّا وُجُوبُ الْأَدَاءِ) لِلْإِيمَانِ (فَأَبُو الْيُسْرِ) هُوَ (بِالْخِطَابِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ فَعُذِرَ مَنْ بَلَغَ بِشَاهِقٍ وَلَمْ تَبْلُغْهُ) الدَّعْوَةُ إذَا مَاتَ وَلَمْ يُسْلِمْ وَإِنْ أَدْرَكَ مُدَّةَ التَّأَمُّلِ وَهِيَ الْمُدَّةُ الَّتِي يَقَعُ فِيهَا التَّجَارِبُ وَالنَّظَرُ فِي الْآيَاتِ.
(وَ) عِنْدَ (الْآخَرِينَ) مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ هُوَ (بِالْأَوَّلِ) أَيْ بِحُدُوثِ الْعَالَمِ فَلَا يُعْذَرُ بَعْدَ إمْهَالِ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهُ مُدَّةَ التَّأَمُّلِ (وَشَرْطُ الْخِطَابِ) إنَّمَا هُوَ ثَابِتٌ (فِيمَا) أَيْ حُكْمٍ (يَحْتَمِلُ النَّسْخَ) وَالْإِيمَانُ لَيْسَ كَذَلِكَ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الِاخْتِلَافُ (بِنَاءً عَلَى أَنَّ اسْتِقْلَالَ الْعَقْلِ يُدْرِكُ إيجَابَهُ) أَيْ اللَّهِ تَعَالَى لِلْإِيمَانِ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْآخَرِينَ (و) عَلَى (عَدَمِهِ) أَيْ عَدَمِ اسْتِقْلَالِهِ بِذَلِكَ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْعَامَّةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ (وَتَقَدَّمَ) الْكَلَامُ فِي هَذَا فِي الْفَصْلِ الثَّانِي فِي الْحَاكِمِ.
(وَ) السَّبَبُ (لِوُجُوبِ الصَّلَاةِ) الْمَكْتُوبَةِ (الْوَقْتُ) أَيْ وَقْتُهَا الْمَشْرُوعَةُ هِيَ فِيهِ لِإِضَافَتِهَا إلَيْهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ} [النور: 58] إذْ الْإِضَافَةُ مِنْ دَلَائِلِ السَّبَبِيَّةِ لِأَنَّهَا تُفِيدُ الِاخْتِصَاصَ وَكَمَالُهُ فِي اخْتِصَاصِ الْمُسَبَّبِ فِي سَبَبِهِ وَلِتَكَرُّرِ وُجُوبِهَا بِتَكَرُّرِ الْوَقْتِ وَلِصِحَّتِهَا فِيهِ وَعَدَمِ صِحَّتِهَا قَبْلَهُ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذَا مُسْتَوْفًى فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ فِي الْمَحْكُومِ فِيهِ ثُمَّ هَذَا قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ وَعَامَّةِ مُتَأَخِّرِي مَشَايِخِنَا (وَالْوَجْهُ قَوْلُ الْمُتَقَدِّمِينَ) مِنْهُمْ وَمَنْ وَافَقَهُمْ كَصَدْرِ الْإِسْلَامِ وَصَاحِبِ الْمِيزَانِ (أَنَّهُ) أَيْ سَبَبَ الْوُجُوبِ (لِكُلٍّ) مِنْ (الْعِبَادَاتِ تَوَالِي النِّعَمِ الْمُفْضِيَةِ فِي الْعَقْلِ إلَى وُجُوبِ الشُّكْرِ) فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ أَسْدَى إلَى كُلٍّ مِنْ الْعِبَادِ مِنْ أَنْوَاعِ النِّعَمِ مَا تَقْصُرُ الْعُقُولُ عَنْ الْوُقُوفِ عَلَى كُنْهِهَا فَضْلًا عَنْ الْقِيَامِ بِشُكْرِهَا وَأَوْجَبَ هَذِهِ الْعِبَادَاتِ عَلَيْهِمْ بِإِزَائِهَا وَرَضِيَ بِهَا شُكْرًا لِسَوَابِغِ نِعَمِهِ بِفَضْلِهِ وَكَرْمِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ أَحَدٌ اسْتِيفَاءَ شُكْرِ هَذَا الْفَضْلِ الْعَظِيمِ وَلَقَدْ أَحْسَنَ الْقَائِلُ
إذَا كَانَ شُكْرِي نِعْمَةَ اللَّهِ نِعْمَةٌ ... عَلَيَّ لَهُ فِي مِثْلِهَا يَجِبُ الشُّكْرُ
فَكَيْفَ بُلُوغُ الشُّكْرِ إلَّا بِفَضْلِهِ ... وَإِنْ طَالَتْ الْأَيَّامُ وَاتَّسَعَ الْعُمُرُ
فَإِنْ مَنَّ بِالنَّعْمَاءِ عَمَّ سُرُورُهَا ... وَإِنْ مَنَّ بِالضَّرَّاءِ أَعْقَبَهُ الْأَجْرُ
(فَلِلْإِيمَانِ) أَيْ وَلِسَبَبٍ وُجُوبِهِ (شُكْرُ نِعْمَةِ الْوُجُودِ) وَقُوَّةِ النُّطْقِ (وَكَمَالِ الْعَقْلِ) الَّذِي هُوَ نَفْسُ الْمَوَاهِبِ (وَإِلَّا فَالْعَالَمُ دَلِيلُ وُجُودِهِ تَعَالَى دُونَ إيجَابِهِ) عَلَى الْعُقَلَاءِ شَيْئًا مِنْ الْأَحْكَامِ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ (وَ) سَبَبُ الْوُجُوبِ (لِلصَّلَاةِ شُكْرُ نِعْمَةِ الْأَعْضَاءِ السَّلِيمَةِ) فَيُعْرَفَ بِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْمَشَقَّةِ قَدْرَ الرَّاحَةِ.
(وَ) سَبَبُ الْوُجُوبِ (لِلصَّوْمِ شُكْرُ نِعْمَةِ اقْتِضَاءِ الشَّهَوَاتِ) أَكْثَرَ السَّنَةِ (وَ) سَبَبُ الْوُجُوبِ (لِلزَّكَاةِ شُكْرُ نِعْمَةِ الْمَالِ) الْفَاضِلِ عَنْ الْحَاجَةِ اللَّازِمَةِ وَيَقَعُ بِهِ التَّنَعُّمُ بِالْجَاهِ وَغَيْرِهِ فِي السَّنَةِ (وَ) سَبَبُ الْوُجُوبِ (لِلْحَجِّ شُكْرُ نِعْمَةِ الْبَيْتِ الْمَجْعُولِ هُدًى لِلْعَالَمِينَ وَمَثَابَةً لِلنَّاسِ) كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ لِأَنَّهُ قِبْلَتُهُمْ وَمُتَعَبَّدُهُمْ وَفِيهِ آيَاتٌ عَجِيبَةٌ وَمَآثِرُ غَرِيبَةٌ وَهُوَ مَوْضِعُ ثَوَابِهِمْ بِحَجِّهِ وَاعْتِمَارِهِ وَأَمْنِهِمْ مِنْ عَذَابِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَإِنَّ الْجَانِيَ الْمُلْتَجِئَ إلَيْهِ لَا يُؤَاخَذُ حَتَّى يَخْرُجَ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» «وَالْعُمْرَةُ إلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا» «وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إلَّا الْجَنَّةُ» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ هَذَا وَالْوَجْهُ إمَّا حَذْفُ الْجَارِّ مِنْ كُلٍّ مِنْ قَوْلِهِ فَلِلْإِيمَانِ وَلِلصَّلَاةِ وَلِلزَّكَاةِ وَلِلصَّوْمِ وَلِلْحَجِّ أَوْ حَذْفُ شُكْرٍ فَإِنَّ وُجُوبَ الْإِيمَانِ وَفُرُوعِهِ الْمَذْكُورَةِ هِيَ السَّبَبُ الَّذِي هُوَ الشُّكْرُ وَالنِّعَمُ الْمَذْكُورَةُ هِيَ السَّبَبُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَوَّلًا وَأَشَارَ إلَيْهِ ثَانِيًا بِقَوْلِهِ (غَيْرَ أَنَّهُ قَدَّرَ مَا اُعْتُبِرَ مِنْهَا) أَيْ مِنْ النِّعَمِ (سَبَبًا بِوَقْتِهِ) أَيْ الْقَدْرِ الْمُعْتَبَرِ مِنْهَا لِلسَّبَبِيَّةِ (كَالصَّلَاةِ) فَإِنَّهُ ضَبَطَ الْقَدْرَ الْمُعْتَبَرِ مِنْ نِعْمَةِ الْأَعْضَاءِ السَّلِيمَةِ أَوْ مُطْلَقِ النِّعْمَةِ عَلَى الْمُكَلَّفِ سَبَبًا لِوُجُوبِ الصَّلَاةِ بِوَقْتِهَا (أَوْ قَدْرِهِ) أَيْ أَوْ قَدَّرَ مَا اُعْتُبِرَ مِنْهَا سَبَبًا بِقَدْرِ الْمِقْدَارِ الْمُعْتَبَرِ مِنْهَا لِلسَّبَبِيَّةِ كَالزَّكَاةِ فَإِنَّهُ ضَبَطَ الْقَدْرَ الْمُعْتَبَرَ مِنْ نِعْمَةِ الْمَالِ سَبَبًا لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ بِقَدْرِ النِّعْمَةِ