أَمْنِهِ (الْجِنَايَةُ عَلَى إحْرَامِهِ) وَأَوْرَدَ الْأَجْنَبِيَّ الْتَزَمَ بِعَقْدِ الْإِسْلَامِ أَنْ لَا يَدُلَّ سَارِقًا عَلَى مَالِ غَيْرِهِ وَقَدْ تَرَكَ مَا الْتَزَمَ بِالدَّلَالَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ وَأُجِيبَ بِالْمَنْعِ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ لَيْسَ بِعَقْدِ الْتِزَامِ الْأَمْنِ بَلْ هُوَ الْتِزَامُ حَقِيقَةِ مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَتْبَعُهُ مَا هُوَ مِنْ لَوَازِمِهِ ضِمْنًا لَا قَصْدًا وَالْتِزَامُهُ الْأَمْنَ وَالْحِفْظَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَلَمْ يَكُنْ مُلْتَزِمًا لَهُمَا قَصْدًا وَلَئِنْ سُلِّمَ أَنَّهُ بِالْإِسْلَامِ الْتَزَمَ ذَلِكَ فَهَذَا الِالْتِزَامُ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى فَيَقَعُ فِعْلُهُ مُوجِبًا يُوجِبُ مَا تَرَكَهُ مِنْ الِالْتِزَامِ وَهُوَ الْإِثْمُ وَهُنَا الْعَقْدُ وَاقِعٌ مَعَ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَقَعُ فِعْلُهُ مُوجِبًا يُوجِبُ مَا تَرَكَهُ مِنْ الِالْتِزَامِ وَهُوَ الضَّمَانُ وَلَئِنْ سُلِّمَ أَنَّ بِالْإِسْلَامِ الْتَزَمَ الْأَمْنَ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ دَلَالَةَ الْأَجْنَبِيِّ إزَالَةُ الْأَمْنِ لِأَنَّ أَمْنَ الْأَمْوَالِ لَا يَثْبُتُ بِالْبُعْدِ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ وَأَيْدِيهِمْ وَالْجَهْلِ بِمَحِلِّهَا بَلْ أَمْنُهَا بِالْأَيْدِي وَالْحِرْزِ وَبِالدَّلَالَةِ لَا يَزُولُ هَذَا الْأَمْنُ بِخِلَافِ الصَّيْدِ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا.
(تَنْبِيهٌ) ثُمَّ حَقِيقَةُ الدَّلَالَةِ الْإِعْلَامُ أَيْ إحْدَاثُ الْعِلْمِ فِي الْغَيْرِ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ الْمَدْلُولُ عَالِمًا بِمَكَانِ الصَّيْدِ وَأَنْ لَا يَكْذِبَ الدَّالُّ فِي ذَلِكَ فَمِنْ ثَمَّةَ قَالُوا لَوْ كَانَ الْمَدْلُولُ عَالِمًا بِمَكَانِ الصَّيْدِ أَوْ كَذَّبَهُ فِي ذَلِكَ لَا ضَمَانَ عَلَى الدَّالِّ لِعَدَمِ زَوَالِ أَمْنِهِ بِهَا وَشُرُوطُ تَحَقُّقِهَا جِنَايَةٌ مُوجِبَةٌ لِلضَّمَانِ مَعَ تَحَقُّقِهَا فِي نَفْسِهَا أَنْ يَتَّصِلَ بِهَا الْقَتْلُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ آنِفًا بِقَوْلِهِ بِإِزَالَةِ الْأَمْنِ الْمُتَقَرِّرَةِ بِالْقَتْلِ حَتَّى لَوْ أَخَذَهُ بِدَلَالَتِهِ ثُمَّ انْفَلَتَ ثُمَّ أَخَذَهُ لَا شَيْءَ عَلَى الدَّالِّ لِانْتِهَاءِ دَلَالَتِهِ بِالِانْفِلَاتِ وَالْأَخْذُ ثَانِيًا إنْشَاءٌ لَمْ يَكُنْ عَنْ عَيْنِ تِلْكَ الدَّلَالَةِ وَأَنْ يَبْقَى الدَّالُّ مُحْرِمًا إلَى أَنْ يَقْتُلَهُ الْآخِذُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ آنِفًا قَوْلُنَا وَالدَّالُّ مُحْرِمٌ لِأَنَّ الْوُجُوبَ يَتَقَرَّرُ عِنْدَ الْقَتْلِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْإِحْرَامُ مَوْجُودًا عِنْدَهُ.
فَإِنْ قِيلَ يُشْكِلُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَى السَّبَبِ الْمَحْضِ فَتْوَى بَعْضِ الْمَشَايِخِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي سَاعٍ بِغَيْرِهِ لَا بِحَقٍّ إلَى حَاكِمٍ ظَالِمٍ سِعَايَةً غَرَّمَتْهُ الْمَالَ ظُلْمًا بِضَمَانِهِ مَعَ أَنَّهَا سَبَبٌ مَحْضٌ تَخَلَّلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحُكْمِ فِعْلُ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ فَالْجَوَابُ لَا لِأَنَّ الْقِيَاسَ عَدَمُ الضَّمَانِ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْمُتَقَدِّمِينَ وَمَشَى عَلَيْهِ صَدْرُ الْإِسْلَامِ لَكِنْ مَعَ زِيَادَةٍ وَلَكِنْ لَوْ رَأَى الْقَاضِي تَضْمِينَ السَّاعِي لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَوْضِعَ مَوْضِعُ اجْتِهَادٍ فَنَحْنُ نَكِلُ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي حَتَّى تَنْزَجِرَ السُّعَاةُ عَنْ السَّعْيِ (وَفَتْوَى الْمُتَأَخِّرِينَ بِالضَّمَانِ بِالسِّعَايَةِ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ اسْتِحْسَانٌ لِغَلَبَةِ السُّعَاةِ) بِغَيْرِ الْحَقِّ إلَى الظُّلْمَةِ فِي زَمَانِنَا وَبِهِ يُفْتَى لِأَنَّ مُجَرَّدَ وُكُولِ الْأَمْرِ إلَى الْقَاضِي لَا يُجْدِي فِي هَذَا الْمَطْلُوبِ فِي زَمَانِنَا.
قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَيَنْبَغِي مِثْلُهُ) أَيْ الْإِفْتَاءُ بِضَمَانِ إتْلَافِ الْمَنَافِعِ مُطْلَقًا زَمَانًا وَمَكَانًا (وَلَوْ غَلَبَ غَصْبُ الْمَنَافِعِ) مُطْلَقًا فِيهِمَا وَإِنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فِي بَابِ الضَّمَانِ زَجْرًا لِلْغَصَبَةِ عَنْ ذَلِكَ وَقَدْ أَسْلَفْنَاهُ فِي أَوَاخِرِ التَّقْسِيمِ الْأَوَّلِ مِنْ أَقْسَامِ الْوَقْتِ الْمُقَيَّدِ بِهِ الْوَاجِبُ تَقْيِيدَ بَعْضِهِمْ ذَلِكَ بِالْأَوْقَافِ وَأَمْوَالِ الْيَتَامَى وَحِكَايَةِ بَعْضِهِمْ الْإِجْمَاعَ عَلَى ضَمَانِ الْمَنَافِعِ بِالْغَصْبِ وَالْإِتْلَافِ إذَا كَانَ الْعَيْنُ مُعَدًّا لِلِاسْتِغْلَالِ وَإِذَا كَانَ الْمُوجِبُ لِذَلِكَ الزَّجْرَ لِلْغَصَبَةِ وَالْحِفْظَ لِأَمْوَالِ الضَّعَفَةِ فَلَا بَأْسَ بِالْفَتْوَى بِضَمَانِهَا حِينَئِذٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ لِاحْتِيَاجِ مَا سِوَى هَؤُلَاءِ إلَى هَذَا الِارْتِفَاقِ وَحَسْمًا لِمَادَّةِ هَذَا الْفَسَادِ بَيْنَ الْعِبَادِ (وَيُقَالُ لَفْظُ السَّبَبِ مَجَازًا عَلَى الْمُعَلَّقِ) بِشَرْطٍ (مِنْ تَطْلِيقٍ وَإِعْتَاقٍ وَنَذْرٍ) وَهَذَا بَعْدَ أَنْ كَانَ مُعَلَّقًا (بِمَا) أَيْ بِشَرْطٍ (لَا يُرِيدُ) الْمُعَلِّقُ (كَوْنَهُ) أَيْ وُجُودِهِ كَإِنْ دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ حُرَّةٌ وَإِنْ خَرَجْت بِغَيْرِ إذْنِي فَعَلَيَّ لِلَّهِ صِيَامُ سَنَةٍ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ (وَعَلَى الْيَمِينِ) بِاَللَّهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ (إذْ لَيْسَتْ) هَذِهِ الْمُعَلَّقَاتُ وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ (مُفْضِيَةً إلَى الْوُقُوعِ) أَيْ وُقُوعِ مَعْنَاهَا مِنْ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَوُجُوبِ الْمَنْذُورِ فِي الذِّمَّةِ (وَ) إلَى (الْحِنْثِ) أَمَّا الْمُعَلَّقَاتُ فَلِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْمَانِعِ مِنْ تَحَقُّقِ مَعْنَاهَا وَهُوَ الشَّرْطُ الْمُعَلَّقَةُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ تَعْلِيقِهَا عَلَيْهِ مَنْعُ نَفْسِهِ مِنْهَا.
وَأَمَّا الْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَلِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِلْبِرِّ وَالْبِرُّ لَا يَكُونُ طَرِيقًا إلَى الْكَفَّارَةِ لِأَنَّهُ مَانِعٌ مِنْ الْحِنْثِ لِأَنَّهُ ضِدُّ الْحِنْثِ وَبِدُونِ الْحِنْثِ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَالْمَانِعُ مِنْ وُجُودِ شَيْءٍ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِوُجُودِهِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ (بَلْ) هِيَ (مَانِعَةٌ) مِنْ الْوُقُوعِ وَالْحِنْثِ.
(وَإِنَّمَا لَهَا) أَيْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ (نَوْعُ إفْضَاءٍ فِي الْجُمْلَةِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ) إلَى الْحُكْمِ وَهُوَ وَقْتُ تَحَقُّقِ الشَّرْطِ وَالْحِنْثِ (فَهِيَ) أَيْ هَذِهِ الْمُعَلَّقَاتُ وَالْيَمِينُ سَبَبٌ (مَجَازٌ) لِلْوُقُوعِ