الْخَارِجِ (وَالْحَقُّ أَنَّا نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ إمْكَانَ كَلَّفْتُكَ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا) أَيْ الضِّدَّيْنِ (وَهُوَ) أَيْ إمْكَانُ هَذَا (إمَّا فَرْعُ قَوْلِهِ النَّفْسِيِّ ذَلِكَ) أَيْ كَلَّفْتُك الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا (أَوْ) فَرْعُ (الْعِلْمِ) بِمَعْنَى هَذَا (فَإِنْ اسْتَدْعَى) هَذَا (قَدْرًا مِنْ التَّعَقُّلِ فَقَدْ تَحَقَّقَ) ذَلِكَ الْقَدْرُ ضَرُورَةَ إمْكَانِ الْأَوَّلِ وَذَلِكَ الْقَدْرُ كَافٍ فِي إمْكَانِ التَّكْلِيفِ (وَلَا حَاجَةَ لَنَا إلَى تَحْقِيقِهِ وَأَيْضًا يُمْكِنُ تَصَوُّرُ الثُّبُوتِ بَيْنَ الْخِلَافَيْنِ فَيُكَلَّفُ بِهِ) أَيْ الثُّبُوتِ (بَيْنَ الضِّدَّيْنِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي يَمْنَعُ تَوَقُّفُ التَّكْلِيفِ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ عَلَى تَصَوُّرِهِ وَاقِعًا بَلْ يَكْفِي فِيهِ تَصَوُّرُ الِاجْتِمَاعِ الْمُمْكِنِ ثُمَّ طَلَبُهُ لِلضِّدَّيْنِ فَيَسْتَدْعِي فِي الطَّلَبِ مِثْلَ مَا يَسْتَدْعِيهِ فِي الْحُكْمِ

(وَحَدِيثُ تَصَوُّرِ الْمُسْتَحِيلِ) أَيْ الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ فِي تَصَوُّرِهِ (بِمَا فِيهِ) مِنْ الْبَحْثِ (لَا وُقُوعَ لَهُ بَعْدَ مَا ذَكَرْنَا) مِنْ أَنَّا نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ إمْكَانَ كَلَّفْتُك الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا (وَلَا خِلَافَ فِي وُقُوعِ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ لِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ نَفْسِهِ (كَمَا) أَيْ الَّذِي (عَلِمَ سُبْحَانَهُ عَدَمَ كَوْنِهِ وَالْوَجْهُ أَنَّهُ لَمْ يَتَّصِفْ بِالِاسْتِحَالَةِ لِذَلِكَ) أَيْ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِعَدَمِ كَوْنِهِ (لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِهِ) أَيْ الْمُحَالِ (مَعَ الْإِمْكَانِ بَلْ هُوَ مُمْكِنٌ مَقْطُوعٌ بِعَدَمِ وُقُوعِهِ) غَيْرَ أَنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا مُنَاقَشَةٌ لَفْظِيَّةٌ لِأَنَّ الْوَصْفَ بِالْمُحَالِيَةِ الَّتِي لَا تُجَامِعُ الْإِمْكَانَ هُوَ الْوَصْفُ بِالْمُحَالِيَةِ الذَّاتِيَّةِ وَلَيْسَتْ هِيَ الْمُرَادَةُ فِي قَوْلِهِمْ مُحَالٌ لِغَيْرِهِ غَايَتُهُ أَنَّ إطْلَاقَ الْمُحَالِ عَلَى الْمُمْكِنِ الَّذِي مَنَعَ مِنْ أَحَدِ طَرَفَيْهِ مَانِعٌ مَجَازًا وَجَعَلُوا التَّقْيِيدَ بِقَوْلِهِمْ لِغَيْرِهِ قَرِينَةُ ذَلِكَ (فَاسْتِدْلَالُ الْمُجِيزِ) لِوُقُوعِ التَّكْلِيفِ بِالْمُسْتَحِيلِ لِذَاتِهِ (بِهِ) أَيْ بِوُقُوعِ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ لِغَيْرِهِ وَاقِعٌ (فِي غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ وَيَقْتَضِي وُقُوعُ تَكْلِيفِ الْمُسْتَحِيلِ لِنَفْسِهِ اتِّفَاقًا) وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَكَيْفَ لَا (وَالِاتِّفَاقُ) بَيْنَ الْأَشَاعِرَةِ (عَلَى نَفْيِهِ) أَيْ وُقُوعِ تَكْلِيفِ الْمُسْتَحِيلِ لِنَفْسِهِ كَغَيْرِهِمْ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَكُنْ الِاتِّفَاقُ مِنْهُمْ عَلَى نَفْيِهِ (نَاقَضُوا الْآيَةَ) أَيْ {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] لِدَلَالَتِهَا عَلَى نَفْي الْوُقُوعِ (وَالْخِلَافُ فِي جَوَازِهِ) عَقْلًا لَا غَيْرُ (وَكَذَا اسْتِدْلَالُهُمْ) عَلَى جَوَازِ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ لِذَاتِهِ (بِأَنَّ الْقُدْرَةَ مَعَ الْفِعْلِ وَهُوَ) أَيْ الْفِعْلُ (مَخْلُوقٌ لَهُ تَعَالَى) يَقْتَضِي اتِّفَاقَهُمْ عَلَى أَنَّ التَّكْلِيفَ وَقَعَ بِهِ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ وَاقِعٌ بِلَا شُبْهَةٍ وَكُلُّ مَا كُلِّفَ بِهِ فَالْقُدْرَةُ عَلَيْهِ لَا تَسْبِقُ فِعْلَهُ (وَمِنْهُ) أَيْ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ (أُلْزَمْ الْأَشْعَرِيُّ الْقَوْلَ بِهِ) أَيْ بِأَنَّ الْقُدْرَةَ مَعَ الْفِعْلِ (وَيَلْزَمُ) مِنْ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ (كَوْنُ كُلِّ مَا كُلِّفَ بِهِ مُحَالًا لِذَاتِهِ) أَيْ فَهُوَ مُحَالٌ لِذَاتِهِ وَالْوَجْهُ الظَّاهِرُ مُحَالًا وَإِنَّمَا يَلْزَمُ لِوُجُوبِ وُجُودِ الْفِعْلِ أَوْ عَدَمِهِ لِوُجُوبِ تَعَلُّقِ الْعِلْمِ بِأَحَدِهِمَا وَأَيًّا مَا كَانَ تَعَيَّنَ وَامْتَنَعَ الْآخَرُ وَهُوَ أَيْضًا بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ بِالْمُجِيزِينَ لِوُقُوعِ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ لِذَاتِهِ (وَقَعَ) التَّكْلِيفُ بِهِ فَقَدْ (كُلِّفَ أَبُو لَهَبٍ) أَيْ كَلَّفَهُ اللَّهُ تَعَالَى (بِالتَّصْدِيقِ بِمَا أَخْبَرَ) بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إجْمَاعًا (وَأَخْبَرَ) اللَّهُ تَعَالَى (أَنَّهُ) أَيْ أَبَا لَهَبٍ (لَا يُصَدِّقُهُ) الْتِزَامًا لِإِخْبَارِهِ بِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ بِقَوْلِهِ {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ} [المسد: 3]

قُلْت: وَمَا قِيلَ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ صَلِيَهَا لِلْفِسْقِ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَيْضَاوِيُّ وَغَيْرُهُ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْحَالَةَ الرَّاهِنَةَ حِينَئِذٍ كَانَتْ مُفِيدَةً لِاسْتِحْقَاقِ ذَلِكَ كُفْرًا ثُمَّ تَقَرَّرَ ذَلِكَ بِمَوْتِهِ عَلَيْهِ فَذَاكَ احْتِمَالٌ مَرْجُوحٌ ابْتِدَاءً مُنْتَفٍ انْتِهَاءً فَلَا يَقْدَحُ فِي الظُّهُورِ إنْ قَدَحَ فِي الْقَطْعِ وَبِالظُّهُورِ كِفَايَةٌ (وَهُوَ) أَيْ تَكْلِيفُهُ بِالتَّصْدِيقِ بِمَا أَخْبَرَ حِينَئِذٍ (تَكْلِيفٌ بِأَنْ يُصَدِّقَهُ فِي أَنْ لَا يُصَدِّقَهُ وَهُوَ) أَيْ وَتَكْلِيفُهُ بِهَذَا (مُحَالٌ لِنَفْسِهِ لِاسْتِلْزَامِ تَصْدِيقِهِ عَدَمَ تَصْدِيقِهِ غَلَطٌ بَلْ هُوَ) أَيْ إيمَانُ أَبِي لَهَبٍ (مِمَّا عُلِمَ عَدَمُ وُقُوعِهِ فَهُوَ) مُحَالٌ (لِغَيْرِهِ) سَوَاءٌ (كُلِّفَ) أَبُو لَهَبٍ (بِتَصْدِيقِهِ) أَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَبْلَ عِلْمِهِ) أَيْ أَبِي لَهَبٍ بِإِخْبَارِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَا يُصَدِّقُهُ (أَوْ) كُلِّفَ (بَعْدَهُ) أَيْ عِلْمِهِ بِذَلِكَ (فَهُوَ) أَيْ هَذَا الدَّلِيلُ لَهُمْ (تَشْكِيكٌ بَعْدَ الْقَاطِعِ) فِي أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ} [البقرة: 286] الْآيَةُ فَهُوَ) أَيْ التَّكْلِيفُ بِالْمُحَالِ لِذَاتِهِ (مَعْلُومُ الْبُطْلَانِ) عَقْلًا غَيْرُ وَاقِعٍ شَرْعًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

[مَسْأَلَةٌ بَقَاءُ التَّكْلِيفِ بِالْفِعْلِ أَيْ تَعَلُّقُهُ بِهِ]

(مَسْأَلَةٌ نُقِلَ عَنْ الْأَشْعَرِيِّ بَقَاءُ التَّكْلِيفِ) بِالْفِعْلِ أَيْ تَعَلُّقُهُ بِهِ (حَالَ) مُبَاشَرَةِ ذَلِكَ (الْفِعْلِ) الْمُكَلَّفِ بِهِ (وَاسْتُبْعِدَ) هَذَا (بِأَنَّهُ) أَيْ الْأَشْعَرِيَّ (إنْ أَرَادَ أَنَّ تَعَلُّقَهُ) أَيْ التَّكْلِيفِ بِالْفِعْلِ (لِنَفْسِهِ) أَيْ التَّكْلِيفِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015