لَيْسَتْ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُمْتَدٍّ فَإِذَا لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ بَطَلَ أَصْلًا، فَإِنْ قِيلَ: يَرِدُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ جَوَازُ تَرَخُّصِ الْمُسَافِرِ سَفَرَ مَعْصِيَةٍ بِقَطْعِ طَرِيقٍ أَوْ إبَاقٍ فَإِنَّهُ فِعْلٌ حِسِّيٌّ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَيَنْتَفِي مَشْرُوعِيَّتُهُ، وَقَدْ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ بِهَا حَيْثُ جَعَلُوهُ سَبَبًا لِلرُّخْصَةِ الَّتِي هِيَ نِعْمَةٌ، فَالْجَوَابُ مَنْعُ كَوْنِ سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ مَنْهِيًّا عَنْهُ لِذَاتِهِ بَلْ كَمَا قَالَ.
(وَالتَّرَخُّصُ بِسَفَرِ الْمَعْصِيَةِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ) أَيْ النَّهْيَ (فِيهِ) أَيْ سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ (لِغَيْرِهِ) أَيْ لِغَيْرِ ذَاتِ السَّفَرِ (مُجَاوِرًا) لِلسَّفَرِ (مِنْ الْقَصْدِ لِلْمَعْصِيَةِ، إذْ قَدْ لَا تُفْعَلُ) الْمَعْصِيَةُ بَلْ يَتَبَدَّلُ قَصْدُهَا بِقَصْدِ طَاعَةٍ (وَيُدْرِكُ الْآبِقُ الْإِذْنَ) بِالسَّفَرِ مِنْ مَوْلَاهُ فَيَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ عَاصِيًا فَلَمْ يُؤَثِّرْ هَذَا الْمَعْنَى الْمُجَاوِرُ لَهُ فِي كَوْنِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ سَيْرٌ مَدِيدٌ سَبَبًا لِلنِّعْمَةِ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ غَيْرُ مَحْظُورٍ (وَكَذَا وَطْءُ الْحَائِضِ عُرِفَ) أَنَّ النَّهْيَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] (لِلْأَذَى) بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {قُلْ هُوَ أَذًى} [البقرة: 222] وَهُوَ مُجَاوِرٌ فِي الْمَحَلِّ قَابِلٌ لِلِانْفِكَاكِ كَمَا تَقَدَّمَ (فَاسْتَعْقَبَ الْإِحْصَانَ وَتَحْلِيلَ الْمُطَلَّقَةِ) ثَلَاثًا لِعَدَمِ الْمَانِعِ مِنْهُمَا وَصَارَ كَمَا يَثْبُتُ حُرْمَتُهُ بِالْيَمِينِ وَلَمْ يَبْطُلْ بِهِ إحْصَانُ الْقَذْفِ أَيْضًا لِعَدَمِ الْمُقْتَضِي لِإِبْطَالِهِ ثُمَّ عَطَفَ عَلَى قَوْلِهِ إلَى حِسِّيٍّ قَوْلَهُ (وَإِلَى شَرْعِيٍّ فَالْقَطْعُ بِأَنَّهُ) أَيْ النَّهْيَ فِيهِ (لِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَإِلَّا لَمْ يُشْرَعْ أَصْلًا قَطْعًا (وَلَا يَنْتَهِضُ) الْمَنْهِيُّ عَنْهُ (سَبَبًا) لِلنِّعْمَةِ (إذَا رَتَّبَ) الشَّارِعُ عَلَيْهِ (حُكْمًا يُوجِبُ كَوْنَهُ) أَيْ النَّهْيِ عَنْهُ (لِعَيْنِهِ) أَيْ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ (أَيْضًا كَنِكَاحِ الْمَحَارِمِ) ذَوَاتِ الرَّحِمِ فَإِنَّهُ فِعْلٌ (شَرْعِيٌّ عُقِلَ قُبْحُهُ لِأَنَّهُ طَرِيقُ الْقَطْعِيَّةِ) لِلرَّحِمِ الْمَأْمُورِ بِصِلَتِهَا لِمَا فِيهِ مِنْ الِامْتِهَانِ بِالِاسْتِفْرَاشِ وَغَيْرِهِ.
(فَحِينَ أُخْرِجْنَ عَنْ الْمَحَلِّيَّةِ) لِنِكَاحِهِ (صَارَ) نِكَاحُهُ إيَّاهُنَّ (عَبَثًا فَقَبُحَ لِعَيْنِهِ فَبَطَلَ ثُمَّ الْإِخْرَاجُ) عَنْ الْمَحَلِّيَّةِ (لَيْسَ إلَّا لَازِمًا لِمَا مَهَّدْنَاهُ) سَالِفًا (مِنْ أَنَّهُ) أَيْ الشَّارِعَ (لَمْ يَجْعَلْ لَهُ) أَيْ لِلنِّكَاحِ (حُكْمًا إلَّا الْحِلَّ فَنَافَى) حُكْمُهُ (مُقْتَضَى النَّهْيِ) وَهُوَ التَّحْرِيمُ فَكَانَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ بَاطِلًا (وَكَذَا الصَّلَاةُ بِلَا طَهَارَةٍ بَاطِلَةٌ لِمِثْلِهِ) أَيْ لِانْتِفَاءِ أَهْلِيَّةِ الْعَبْدِ لَهَا بِلَا طَهَارَةٍ شَرْعًا، لِأَنَّ الشَّارِعَ قَصَرَ أَهْلِيَّتَهُ لَهَا عَلَى حَالِ الطَّهَارَةِ فَصَارَ فِعْلُهَا بِدُونِ الطَّهَارَةِ عَبَثًا فَقَبُحَ لِعَيْنِهِ.
(وَكَانَ يَجِبُ مِثْلُهُ) أَيْ بُطْلَانِ الصَّلَاةِ (فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ) لِمَا سَبَقَ مِنْ انْتِفَاءِ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ (لَكِنَّ الظَّنَّ الْمُتَقَدِّمَ) لَهُمْ أَوْجَبَ خِلَافَهُ، وَقَدْ عَرَفْت مَا فِيهِ (وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بُطْلَانُهَا كَمَا اخْتَرْنَاهُ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ) وَالدَّارِيَّةُ تُقَوِّي هَذِهِ الرِّوَايَةَ فَلْيَكُنْ التَّعْوِيلُ عَلَيْهَا (فَإِنْ لَمْ يُرَتِّبْ) الشَّارِعُ حُكْمًا يُوجِبُ كَوْنَ النَّهْيِ عَنْ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لِعَيْنِهِ أَيْضًا (ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ فِيهِ جِهَةً تُوجِبُ قُبْحًا فِي عَيْنِهِ كَالْبَيْعِ)