الْمَتْبُوعِ مَقْصُودًا سَبَبُهُ أَوْ شَرْطًا لِغَيْرِهِ، ثُمَّ لَا خَفَاءَ فِي أَنَّ شَرْطَ الشَّيْءِ تَابِعٌ لَهُ فَثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْغَاصِبِ حَسُنَ بِحُسْنِ مَشْرُوطِهِ، وَإِنْ قَبُحَ فِي نَفْسِهِ (بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ) فَإِنَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ فِيهِ لِلْغَاصِبِ وَإِنْ أَدَّى الضَّمَانَ كَمَا وَقَعَ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ فِيمَا بِحَيْثُ يُمْلَكُ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ الْمُطْلَقَ لَا يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (فَإِنَّهُ) أَيْ الْغَاصِبَ (يَمْلِكُ كَسْبَهُ) أَيْ الْمُدَبَّرِ (إنْ كَانَ) لَهُ كَسْبٌ (بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ) أَيْ الْمُدَبَّرَ (خَرَجَ عَنْ) مِلْكِ (الْمَوْلَى تَحْقِيقًا لِلضَّمَانِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ) .
فَإِنْ قِيلَ يَرِدُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ مِلْكُ الْكَافِرِ مَالَ الْمُسْلِمِ إذَا أَحْرَزَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّ الِاسْتِيلَاءَ فِعْلٌ حِسِّيٌّ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِذَاتِهِ فَلَا يَكُونُ مَشْرُوعًا بَعْدَ النَّهْيِ وَقَدْ خَالَفَهُ الْحَنَفِيَّةُ حَيْثُ جَعَلُوهُ بَعْدَ النَّهْيِ سَبَبًا لِلْمِلْكِ الَّذِي هُوَ نِعْمَةٌ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ (وَأَمَّا الْكَافِرُ بِالْإِحْرَازِ) .
قُلْنَا لَا يَرِدُ (فَإِمَّا لِعَدَمِ النَّهْيِ) لِلْكَافِرِ عَنْ ذَلِكَ (بِنَاءً عَلَى عَدَمِ خِطَابِهِمْ بِالْفُرُوعِ فَلَيْسَ مِنْ الْبَابِ وَإِمَّا) أَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُ ذَلِكَ بِالِاسْتِيلَاءِ (عِنْدَ ثُبُوتِ الْإِبَاحَةِ) أَيْ إبَاحَةِ ذَلِكَ الْمَالِ لَهُ (بِانْتِهَاءِ مِلْكِ الْمُسْلِمِ) أَيْ بِسَبَبِ انْتِهَاءِ مِلْكِ الْمُسْلِمِ لِذَلِكَ الْمَالِ فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِثُبُوتِ الْإِبَاحَةِ (بِزَوَالِ مِلْكِ الْمُسْلِمِ) أَيْ بِسَبَبِ زَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِانْتِهَاءِ مِلْكِ الْمُسْلِمِ (بِزَوَالِ الْعِصْمَةِ) أَيْ بِسَبَبِ زَوَالِ كَوْنِ مِلْكِ الْمُسْلِمِ حَرَامَ التَّعَرُّضِ لَهُ لِحَقِّ الشَّرْعِ أَوْ لِحَقِّ الْعَبْدِ فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِزَوَالِ مِلْكِ الْمُسْلِمِ (بِالْإِحْرَازِ بِدَارِهِمْ) أَيْ بِسَبَبِ إحْرَازِهِمْ مَالَ الْمُسْلِمِ بِدَارِ الْحَرْبِ فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِزَوَالِ الْعِصْمَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ إحْرَازُهُمْ لَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ مُزِيلًا لِلْعِصْمَةِ (لِانْقِطَاعِ الْوِلَايَةِ) أَيْ وِلَايَةِ التَّبْلِيغِ وَالْإِلْزَامِ فَكَانَ اسْتِيلَاؤُهُمْ عَلَى هَذَا الْمَالِ وَعَلَى الصَّيْدِ سَوَاءً.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ عِصْمَةَ مَالِ الْمُسْلِمِ انْتَهَتْ بِانْتِهَاءِ سَبَبِهَا وَهُوَ إحْرَازُهُ لَهُ لِأَنَّهَا إنَّمَا ثَبَتَتْ بِالْإِحْرَازِ وَهُوَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِالْيَدِ عَلَيْهِ حَقِيقَةً بِأَنْ كَانَ فِي تَصَرُّفِهِ أَوْ بِالدَّارِ وَقَدْ انْتَهَى كِلَاهُمَا بِإِحْرَازِهِمْ الْمَأْخُوذَ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَإِذَا انْتَهَتْ سَقَطَ النَّهْيُ فَلَمْ يَكُنْ الِاسْتِيلَاءُ مَحْظُورًا، فَصَلُحَ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِلْمِلْكِ ثُمَّ يَتَلَخَّصُ مِنْ هَذَا أَنَّ مَا هُوَ مَحْظُورٌ - وَهُوَ ابْتِدَاءُ الِاسْتِيلَاءِ - لَيْسَ بِسَبَبِ الْمِلْكِ وَمَا هُوَ سَبَبُ الْمِلْكِ - وَهُوَ حَالُ الْبَقَاءِ - لَيْسَ بِمَحْظُورٍ فَلَا يَرِدُ النَّقْضُ وَلَا يُقَالُ فَكَمَا ابْتِدَاؤُهُ غَيْرُ مُفِيدٍ لِلْمِلْكِ لِعَدَمِ الْمَحَلِّ فَكَذَا بَقَاؤُهُ كَمَنْ اشْتَرَى خَمْرًا فَصَارَتْ خَلًّا فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ، وَإِنْ صَارَتْ مَحَلًّا لَهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ عُرِفَ أَنَّ مَا لَهُ امْتِدَادٌ فَلِحَالَةِ بَقَائِهِ مِنْ الْحُكْمِ مَا لِابْتِدَائِهِ كَأَنَّهُ يَحْدُثُ سَاعَةً فَسَاعَةً كَمَا فِي مَسْأَلَتَيْ اللُّبْسِ وَالسُّكْنَى (وَالِاسْتِيلَاءُ مُمْتَدٌّ فَبَقَاؤُهُ كَابْتِدَائِهِ) فَصَارَ بَعْدَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْحَرْبِ كَأَنَّهُ اسْتَوْلَى عَلَى مَالٍ مَعْصُومٍ ابْتِدَاءً بِدَارِ الْحَرْبِ فَيَصْلُحُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ، وَمَسْأَلَةُ الْبَيْعِ