اسْتَخَرْت اللَّهَ تَعَالَى ثَانِيًا فِي شَرْحِ هَذَا الْكِتَابِ لَكِنْ لَا عَلَى السَّنَنِ الْأَوَّلِ مِنْ الْإِطْنَابِ بَلْ عَلَى سَبِيلِ الِاقْتِصَادِ بَيْنَ الِاخْتِصَارِ وَالْإِسْهَابِ وَشَرَعْت فِيهِ مُوَجِّهًا وَجْهَ رَجَائِي فِي تَيْسِيرِهِ إلَى الْكَرِيمِ الْوَهَّابِ سَائِلًا مِنْ فَضْلِهِ تَعَالَى مُجَانَبَةَ الزَّلَلِ وَالثَّبَاتَ عَلَى صِرَاطِ الصَّوَابِ، وَأَنْ يُثِيبَنِي عَلَيْهِ مِنْ كَرَمِهِ - سُبْحَانَهُ - جَزِيلَ الثَّوَابِ، وَأَنْ يَرْزُقَنِي مِنْ كُلِّ وَاقِفٍ عَلَيْهِ دُعَاءً صَالِحًا يُسْتَجَابُ وَثَمَرَةَ ثَنَاءٍ حَسَنٍ يُسْتَطَابُ عَلَى أَنِّي مُتَمَثِّلٌ فِي الْحَالِ بِقَوْلِ مَنْ قَالَ
مَاذَا تُؤَمِّلُ مِنْ أَخِي ثِقَةٍ ... حَمَّلْته مَا لَيْسَ يُمْكِنُهُ
إنْ بَانَ عَجْزٌ مِنْهُ فَهْوَ عَلَى ... عُذْرٍ يَبِينُ إذَا يُبَرْهِنُهُ
قَدَّمْت فِيمَا قُلْت مُعْتَذِرًا ... هَذَا طِرَازٌ لَسْت أُحْسِنُهُ
وَلَعَلَّهُ إذَا فَتَحَ اللَّه تَعَالَى بِإِتْمَامِهِ، وَمَنَّ بِالْفَرَاغِ مِنْ إتْقَانِهِ وَاخْتِتَامِهِ أَنْ يَكُونَ مُسَمًّى {بِالتَّقْرِيرِ وَالتَّحْبِيرِ فِي شَرْحِ كِتَابِ التَّحْرِيرِ} وَحَسْبِي اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
بَدَأَ بِالْبَسْمَلَةِ الشَّرِيفَةِ تَبَرُّكًا، وَمُجَانَبَةً لِمَا نَفَّرَتْ عَنْهُ السُّنَّةُ الْقَوْلِيَّةُ مِنْ تَرْكِ الْبُدَاءَةِ بِهَا أَوْ بِمَا يَسُدُّ مَسَدَّهَا فِي الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْجَمِيلِ عَلَى سَبِيلِ التَّبْجِيلِ فَإِنَّهُ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَهُوَ أَبْتَرُ» وَفِي رِوَايَةٍ أَقْطَعُ فَإِنْ قُلْت وَقَدْ جَاءَ أَيْضًا فِي رِوَايَةٍ ثَابِتَةٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِ (الْحَمْدُ لِلَّهِ) فَهَذِهِ تُعَارِضُ الْأُولَى فَمَا الْمُرَجِّحُ لِلْأُولَى عَلَيْهَا قُلْت تَصْدِيرُ كِتَابِ اللَّهِ الْعَظِيمِ وَكُتُبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى هِرَقْلَ وَغَيْرِهِ بِهَا عَلَى مَا فِي الصَّحِيحِ وَاسْتِمْرَارِ الْعُرْفِ الْعَمَلِيِّ الْمُتَوَارَثِ عَنْ السَّلَفِ قَوْلًا وَفِعْلًا عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ هَذَا إذَا كَانَ الْمُرَادُ لَا يُبْدَأُ بِلَفْظِهِمَا لَكِنْ ذَكَرَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّ الْمُرَادَ بِحَمْدِ اللَّهِ ذِكْرُ اللَّهِ كَمَا جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَإِنَّ كِتَابَ هِرَقْلَ كَانَ ذَا بَالٍ مِنْ الْمُهِمَّاتِ الْعِظَامِ وَلَمْ يَبْدَأْ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَفْظِ الْحَمْدِ وَبَدَأَ بِالْبَسْمَلَةِ اهـ. قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ - غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ -: وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ فَإِنَّهُ إنْ عَنَى حِينَئِذٍ بِذِكْرِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ إنَّ الْمُرَادَ بِحَمْدِ اللَّهِ ذِكْرُ اللَّهِ ذِكْرُهُ بِالْجَمِيلِ عَلَى قَصْدِ التَّبْجِيلِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْحَمْدِ خَاصَّةً فَالْأَمْرُ بِقَلْبِ مَا قَالَ وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِذِكْرِ اللَّهِ مَا هُوَ الْمُرَادُ بِحَمْدِ اللَّهِ فَهُوَ مِنْ بَابِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ لَا مِنْ بَابِ التَّجْوِيزِ بِالْمُقَيَّدِ عَنْ الْمُطْلَقِ وَحِينَئِذٍ يَبْقَى الْكَلَامُ فِي تَمْشِيَةِ مِثْلِ هَذَا الْحَمْلِ عَلَى الْقَوَاعِدِ وَهُوَ مُتَمَشٍّ عَلَى قَوَاعِدِ الشَّافِعِيَّةِ، وَمَنْ وَافَقَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ يَحْمِلُونَ فِي مِثْلِهِ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ لَا عَلَى قَاعِدَةِ جُمْهُورِ الْحَنَفِيَّةِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَحْمِلُونَ فِي مِثْلِهِ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ فِيهِ رَاجِعٌ إلَى مَعْنَى الشَّرْطِ، وَإِنَّمَا يُجْرُونَ فِي مِثْلِهِ الْمُطْلَقَ عَلَى إطْلَاقِهِ وَالْمُقَيَّدَ عَلَى تَقْيِيدِهِ حَتَّى إنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِأَيِّ فَرْدٍ كَانَ مِنْ أَفْرَادِ ذَلِكَ الْمُطْلَقِ فَتَعْلِيقُ الْحُكْمِ الثَّابِتِ لِلْمُطْلَقِ بِالْمُقَيَّدِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ اعْتِبَارُ قَيْدِ ذَلِكَ الْمُقَيَّدِ فِي ذَلِكَ الْمُطْلَقِ عِنْدَهُمْ كَأَفْرَادِ فَرْدٍ مِنْ الْعَامِّ بِحُكْمِ الْعَامِّ حَيْثُ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ تَخْصِيصَ الْعَامِّ كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَحِينَئِذٍ يُتَّجَهُ أَنْ يُسْأَلُوا عَنْ الْحِكْمَةِ فِي التَّنْصِيصِ عَلَى ذَلِكَ الْفَرْدِ مِنْ الْمُطْلَقِ دُونَ غَيْرِهِ وَيُتَّجَهُ لَهُمْ أَنْ يُحِيبُوا هُنَا بِأَنَّ لَعَلَّهَا إفَادَةُ تَعْلِيمِ الْعِبَادِ مَا هُوَ أَوْلَى أَوْ مِنْ أَوْلَى مَا يُؤَدَّى بِهِ الْمُرَادُ مِنْ الْمُطْلَقِ، وَإِنْ عَنَى حِينَئِذٍ بِذِكْرِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ الْمَذْكُورِ ذِكْرَهُ مُطْلَقًا عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ مِنْ وُجُوهِ التَّعْظِيمِ سَوَاءٌ كَانَ تَسْبِيحًا أَوْ تَحْمِيدًا أَوْ شُكْرًا أَوْ تَهْلِيلًا أَوْ تَكْبِيرًا أَوْ تَسْمِيَةً أَوْ دُعَاءً فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِحَمْدِ اللَّهِ ذِكْرُ اللَّهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مِنْ الْإِطْلَاقِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ لِلْحَمْدِ لَيْسَ ذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ وَلَا دَاعِيَ إلَى التَّجَوُّزِ بِهِ عَنْ مُطْلَقِ الذِّكْرِ لِانْدِفَاعِ الْإِشْكَالِ بِكِتَابِ هِرَقْلَ، وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ عَلَى قَوْلِ جُمْهُورِ الْحَنَفِيَّةِ فَتَأَمَّلْ.
(يَقُولُ الْعَبْدُ الْفَقِيرُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْإِسْكَنْدَرِيُّ مَوْلِدًا السِّيوَاسِيُّ مُنْتَسِبًا الشَّهِيرُ بِابْنِ هُمَامِ الدِّينِ) لَقَبِ وَالِدِهِ الْعَلَّامَةِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْمَذْكُورِ