فإن قيل: فهو منتقض بالقول المتصل بلفظ العموم وغيره الذي ليس بصورة الاستثناء نحو قولهم: رأيت المؤمنين ولم أر زيدًا, وما رأيت عمرًا وخالدًا لم أره, ونحو ذلك.
قيل: هذا - أيضًا - باطل, لأننا قلنا: قول ذو صيغ مخصوصة ونحن نعني بذلك قولهم رأيت الناس إلا زيدًا وغير عمر وسوى عمرو, ونحو ذلك, فبطل ما سألت عنه.
فإن قيل: ما أنكرتم أن تكون حقيقة الاستثناء "إنه القول المخرج من الخطاب ما كان داخلًا" أو ما هو داخل فيه وأن يكون مأخوذًا من قولهم ثنيت زيدًا عن رأيه وثنيت العود, وقد أثنيته عما كتب عليه, وزيد مثنى عن رأيه ومثنى في مشيه, وإنما يعنون بذلك رد زيد عن رأي كان عليه, ورد العود عن عوجه.
يقال له: ما قلته باطل, وإن كان الاستثناء إنما أخذ له الاسم من المعنى الذي ذكرته للعلم بأن أهل اللغة متفقون على أنه قد يخرج من لفظ العموم أشياء بقول ليس باستثناء عندهم ولا موصوف بذلك, نحو قولهم: اضرب العبيد ونافع لا تضربه, وأمثال ذلك, فإن أردت أن ما هذه حالة من القول بمعنى الاستثناء وإن لم يوصف في اللغة بذلك, فذلك صحيح, وإن أردت وجوب تسميته استثناء, فذلك فاسد, وخلاف على أهل اللغة, وقد بينا أن اللغة لا توجد قياسًا, وأنهم قد يسمون الشيء باسم لمعنى فيه, وإن لم يسموا به كل ما فيه ذلك المعنى إذا خصوا به قبيلًا دون قبيل, فبطل ما قلته.
وقول المعرف بأن الاستثناء ما أخرج ما هو داخل فيه, أو ما كان داخلًا فيه خطأ, لأنه يصير نسخًا وتبديلًا للحكم بعد ثبوته, وذلك فاسد, فوجب أنه المخرج من الخطاب ما كان يصح دخوله فيه, على ما قلناه من قبل.