مطيع فيما أمر به إلا عند موته وانقطاع تكليفه، لأنه إذا استدام الفعل السنة والاثنين كان مطيعاً في بعض ما أمر به على قولهم، فيجب أن لا يستحق إطلاق اسم مطيع إلا عند موته. وفي الاتفاق على فساد ذلك دليل على سقوط هذا القول.
قالوا: ويدل على ذلك أنه لو قيد الأمر بذكر وقته، فقال، افعله في وقت كذا لتقيد ولزم فعله فيه مرة واحدة. وإذا أطلق بغير توقيت لزم فعله في سائر الأوقات.
يقال لهم: لا يجب ما قلتموه، لأنه لو قيد الأمر بذكر الوقت للزم إيقاعه فيه بعينه، ولحق الإثم والتفريط بتركه فيه، وإذا أطلقه بغير توقيت كانت جميع الأوقات وقتاً له. وصار على التراخي، ونحن نقول إنه لا توقيت في المطلق، لكن ذلك لا يوجب الدوام على ما ظننتم، فوجب أن يكون فعله على التراخي، واستدلوا - أيضاً- على وجوب التكرار بأن مطلق الأمر اقتضي إيقاع الفعل في جميع الأزمان، لأنه لا تحديد فيه، فصار بمثابة قوله افعله دائماً في سائر الأوقات وبمنزلة قوله: اقتلوا المشركين في تناوله لجميع الأعيان.
يقال لهم: هذا باطل، لأجل أنه إذا قال: صل وأضرب فلم يذكر الزمان بلفظة توحيد ولا تسمية ولا جمع معرف ولا منكر، وإنما ذكر جنس الفعل فقط. وإنما اقتضي الدليل، إيقاعه في وقت ما غير معين، فدعوي عموم الأزمان فيه خطأ، لأنه لا ذكر جري للزمان في قوله أضرب وصل، وإنما يدعي العموم من لفظه.