باب
القول في معنى الحقيقة والمجاز
اعلموا أن قولنا حقيقة ينصرف إلى معنيين, وقولنا مجاز لا يتوجه إلا إلى التجوز بالكلام في غير ما وضع له. وقد يراد بالحقيقة حقيقة وصف الشيء التي هي حده والمعنى الذي له استحق الوصف, نحو قولنا: حقيقة العالم أن له علمًا. وحقيقة الحي الفاعل أن له فعلاً وحياة. فيكون المقصد بذكر الحقيقة ههنا ما أكسب الوصف, ووجب لأجله.
وقد يعنى بالحقيقة- أيضًا- صفة الشيء التي اختص بها, وما هو عليه في نفسه كما نقول حقيقة المحدث أنه الموجود عن عدم, وليس الوجود معنى منفصلاً عنه له يكون موجودًا. وقد كشفنا هذا الفصل في أصول الديانات بما يغني الناظر فيه.
وقد تكون الحقيقة حقيقة الكلام, وذلك راجع في وصف الكلام إلى أنه قول استعمل فيما وضع في الأصل له. وحقيقة الكلام لها نقيض من المجاز, وهو استعماله في غير ما وضع له, وحقيقة الشيء التي هي حده وصفته التي هو عليها في ذاته لا نقيض لها ولا محاز منها.
وأما الضرب الآخر فهو المجاز من الكلام ومعنى وصفه بأنه مجاز أنه مستعمل/ ص 86 في غير ما وضع له وأنه متجاوز به إلى غيره من قولك جزت النهر إذا تجاوزته, وذلك نحو قوله تعالى: {واسْأَلِ القَرْيَةَ} , وقوله