وهذا- أيضاً- فاسد من وجهين:
أحدهما: إن تأخير البلاغ صحيح جائز في صفته إذا أوجب عليه تأخيره أو أبيح له ذلك وتجويز بقائه إلى حين تضييق فرض البلاغ عليه, ويجوز احترامه قبل ذلك, وأن يلزم الأمة منه شيء. وأن يكون الغرض فيه إذا احترم قبل البلاغ كون إنزاله عليه لطفا له أو لبعض ملائكته. هذا جائز مع القول بوجوب اللطف فلا وجه لدعوى إحالته, وإنما يجب تجويزه لاحترامه قبل البيان له وللأمة.
فأما إذا بين له المراد بلفظ العموم الخصوص وأن تنفيذ مراده فرض عليه وعلى أمته ولم يكن هناك ما يدل على تخصصه إلا بيانه للأمة على لسانه لم يجز احترامه قبل البيان.
وقد أجاب قوم عن قوم عن ذلك بأن تأخير البلاغ لا يجوز منه, لأن الذي يؤخر بلاغه خطاب له وللأمة. فإذا لم يبلغه لم يكن خطابا لهم, وما قدمنا من الجواب أولى، لأنه لا يمتنع أن يكون خطابا له وحده حين نزوله عليه وخطابا لهم أذا بلغهم.
وأن يكون- أيضا- خارجا عن كونه خطابا لهم إن احترم الرسول عليه السلام قبل الوقت الذي أمر بالبلاغ فيه, أو نسخ عن الرسول عليه السلام وجوب بلاغه قبل الوقت، لأن نسخ مثل هذا جائز كسائر? ما يجوز نسخه من عباداته وعبادات غيره قبل وقته فزال ما قالوه.
والأشبه في قول محيل البيان إجازة تأخير البلاغ وإحالة تأخير البيان, لأنهم زعموا أن تأخير البيان يقبح الخطاب ويجعله بمثابة خطاب العربي بالزنجية.
وتأخير بلاغ الرسول لا يقبح خطابه به وإفهامه إياه. ولا يكون خطابا للأمة مع تأخيره على وجه يحسن أو يقبح, ولا يخل بأداء غير ذلك من جميع ما كلفوه, فصح تأخير البلاغ وإن امتنع على ادعائهم تأخير البيان. وهذه جمل مقنعة في هذا الباب.