ولزمه اعتقاد جواز بقائه إلى المدة التي قيل له بينه عندها وجواز احترامه دونها وإذا احترم دونها لم يكن عاصيا, أنه ترك ما وجب عليه تركه. أو ما أبيح له تركه ووجب على الأمة تنفيذ حكم الخطاب على عمومه, لأنه لا شيء يخصه فبطل ما قاله. وقد بينا في فصول القول في القول في الأوامر إنه يجوز احترام النبي عليه السلام/ وغيره من المكلفين بالفعل على التراخي قبل الوقت الذي حد به الفعل ووقت, والمنع منه لعوارض غير الموت والنسخ له قبل وقته. ونحن نزيد ذلك كشفا في فصول القول في النسخ إن شاء الله. وإذا كان ذلك كذلك جاز احترام النبي عليه السلام قبل الوقت الذي أمر بالبيان عنده, ولم يكن ذلك عصيانا وتضييعا منه, ولم يلزم الأمة عند ذلك شيء والقدرية تزعم أنه محال احترام المكلف للفعل في المستقبل قبل دخول الوقت, ومنعه منه بالنسخ أو غيره من الموانع وذلك لأنه اقتطاع له عن المصلحة, إذا لا يكلف الرسول وغيره إلا لقصد مصلحته والمنع منه استفساد وسفه لا يجوز في حكمته تعالى, وذلك باطل من دينهم بما نبينه من بعد, وما قد ذكرناه في فصول الأوامر من قبل.
فصل: واستدلوا- أيضا- على ذلك بأنه لو جاز تأخير بيان ما يحتاج إلى بيان يصح وجاز من الرسول عليه السلام تأخير البلاغ عن الله سبحانه فيما أرسل به, وذلك محال, لأنه قد قيل له: {بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} و {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ} وأمثال هذا مما أكد عليه فيه فرض البيان وتقديم البلاغ.